ياسر الصالح

كانت فرصة ذهبية تلك التي أتاحها مقدم برنامج laquo;لقاء الرايraquo; لسيد المقاومة ليرد الصاع صاعين لاولئك النفر من الإعلاميين المحليين عندنا في الكويت الذين لم يردعهم قانون نشر، ولا ذوق عام، ولا أخلاق، ولا سلم أهلي، من أن يكيلوا أقذع المفردات بحق laquo;حزب اللهraquo; والمقاومة ورموزها وشعبها ومؤيديها... فقد طلب مقدم البرنامج من السيد التعليق laquo;بشفافيةraquo; على موضوع التأبين الذي تم عندنا في الكويت وأثار انقسامات كثيرة، فكان للسيد أن يقول ويذكر ما يريد، وأن يرد على هؤلاء النفر بما يستحقون... ولكن سيد المقاومة أبى إلا أن يترفع عن الهبوط لمستوى أولئك السبابين الشتامين، واختار أن يناقش الموضوع من منظور أبعاده الحقيقية... أبعاد مؤامرات تفتيت الأمة من المدخل الطائفي.
laquo;السلاح الأخير في يد أعدائنا هو سلاح الفتنة، أخطر فتنة يُعد لها وكان يُعد لها وأُعد لها خلال كل الأعوام والعقود الماضية هي الفتنة بين الشيعة والسنة.raquo; هذا ما قاله سيد المقاومة في مقابلة تلفزيون laquo;الرايraquo;.
إذاً فإثارة الفتنة الطائفية هو السلاح الأخير في الأجنده الصهيوأميركية، والتي كانت تعمل على بناء أرضيته منذ مدة.
منذ مدة بدأ يتردد، إعلامياً وشعبياً، وبشكل متزايد بأننا لم نكن نعرف في مجتمعنا النزعة الطائفية كما هي موجودة الآن، أو... لم يكن يوجد عندنا هذه التفرقه بين سني وشيعي كما هي موجودة الآن. وحتى في العراق فإن كلا من السنة والشيعة يتحدثون بكلام مشابه...
لماذا الآن بالذات ولم يكن هذا الوضع بهذا الحجم في السابق؟... يقول البعض ان الخطة الصهيوأميركية ومن منطلق القاعدة المعروفة laquo;فرق واحكمraquo;، التي فضح تطبيقها مارتين انديك في احدى ندوات laquo;معهد بروكنجزraquo; عام 2003 بعد احتلال العراق حيث صرح بأنه يجب على الولايات المتحدة باعتبارها قوة احتلال امبريالية أن تطبق قاعدة laquo;فرق واحكمraquo; في العراق، وفي المنطقة بشكل عام، وذلك بأن تعمل على ضرب السنة بالشيعة، والمكونات المختلفة الفرعية والرئيسية بعضها ببعض لتفريقها... وطبعاً وكما رأينا فإن الولايات المتحده قامت بهذا العمل في الساحة العراقية على أكمل وجه وذلك عن طريق ادواتها هناك، ورأينا كيف أن النار الطائفية أحرقت الأخضر واليابس والحجر والإنسان، وكيف اشتعلت الفتن كذلك بين ابناء الطائفة الواحدة في الداخل الشيعي وفي الداخل السني، وكذلك بين العرقيات والاثنيات المختلفة...
وأما فيما يخص هذه الأجندة على المستوى الإقليمي في المنطقة فقد رأينا بأن إثارة هذا الموضوع كانت عندما تم طرح موضوع laquo;ولاء الشيعةraquo; من قبل أحد الرموز السياسية في احد البلاد العربية، حيث كان أمراً مستغرباً، فهذا الموضوع لم يكن له وجود وأهمية في الساحة المحلية هناك، وفجأة ودون مقدمات كذلك تشاء الأقدار أن يتم طرح موضوع laquo;الهلال الشيعيraquo; ليتزامن مع سابقه، وأيضاً من ساحة سياسية أخرى غير معنية محلياً بهذا الموضوع...
واستمر مسلسل الإثارات في هذه الساحات بطرق مستغربة ودون سياق منطقي، كمحاكمة مجموعات صغيرة من المواطنين بتهم الانتماء أو الترويج للمذهب الشيعي، ويتم إجراء هذه المحاكمات في محاكم الطوارئ ومحاكم أمن الدولة، ويتم كذلك وبالتزامن تبني هذه الإثارات من قبل المكونات المختلفة في منظومات إعلامية عربية كبيرة، حيث يتم تسخير الكثير من الجهود والوقت والموارد لنشر هذه الاثارات بل وتضخيمها...
وتتزامن الصورة السابقة من الإثارات الطائفية المتتابعة مع الإثارات التي صدرت من أعلى المستويات في الكيان الصهيوني كرئيس الوزراء و وزيرة الخارجية، في حينها، وحتى رئيس الكيان، وهم يتحدثون عن التنسيق الواجب قيامه بين كيانهم وأنظمة laquo;الاعتدالraquo; للتصدي لما يسمونه laquo;الخطرraquo; المقبل من إيران... أي أن الحديث يدور حول تحويل العدو في المنطقة من أن يكون متمثلاً باليهود الصهاينة المغتصبين، وقاتلي المسلمين في فلسطين، ولبنان، ومصر، وسورية إلى أن يكون متمثلاً بالمسلمين الشيعة الموجودين في المنطقة وفي إيران بشكل خاص، وسيناريو الانقلاب هذا يبدو أنه قد تم الاتفاق عليه صهيوأميركياً وعربياً laquo;معتدلاًraquo; رغم ما يحتاج تنفيذه من جهود جبارة يكون من ضمنها عملية laquo;كي للوعيraquo; الشعبي في الدول العربيه والإسلامية لتكون مستعدة لتقبل الواقع الجديد للانقلاب الذي يراد له أن يستبدل عدواً حقيقياً، قام ولا يزال بأبشع الجرائم، بعدو آخر وهمي لم يقم بأعمال عدائية، ناهيك عن أنه هو الداعم الواقعي للمقاومين بل هو أحدهم... ولكن، وكما ذكر السيد في المقابلة، لم يتبق للأجندة الصهيوأميركية طريقاً لتحقيق أهدافها غير إثارة النعرة الطائفية بمشاركة طاقات إعلامية وسياسية laquo;معتدلةraquo; ضخمة في مستويات متعددة بما فيها مستويات سياسية عالية، لذلك فإنه ليس من المستغرب بأن نرى هذا الكم الهائل والخطير من الشحن الطائفي في مجتمعات المنطقة ومنها بلدنا، فعندنا كما في معظم الدول العربية، من المؤسسات والأفراد ممن يحمل مسميات طائفية متنوعة، من هم ضالعون في تنفيذ هذه الأجندة رغم خطرها الواضح على الأمن الداخلي لبلدانهم، ولكن يبدو أن هذه الجهات تعتقد أن الارتباطات الخارجية من خلال هذه الأجندة تؤمن لها حماية وحصانة يمكنها الاعتماد عليها.
الفتنة الطائفية هي في الأساس خارجية المصدر، ولكن أدواتها التنفيذية محلية وإقليمية، وتتنوع بين السياسي والإعلامي وذي الطابع الديني، ويوجد من يتناغم معها في المجتمعات المختلفة إما من منطلق الارتباط العضوي والمصلحي الواعي، وإما من منطلق الانتهازية ذات المرتكزات الأيديولوجية والتكفيرية، وهنالك من ينفعل فينجر معها فيرفدها من غير وعي بالوقود والحطب laquo;وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاًraquo;...
الحل الجذري للفتنة الطائفية في واقعنا المحلي هو الحل نفسه في الواقع الإقليمي ويكمن في التصدي للأجندة الصهيوأميركية وأدواتها المنتشرة في جميع الأطياف مهما كانت مسميات هذه الأدوات، وأشكال الأغطية والواجهات التي تتدارى بها.

ومضة
نود أن نسأل: هل يقع ضمن سياق مؤامرة الفتنة الخبر المفبرك الذي نفته وزارة الداخلية وتناقلته بعض وسائل الإعلام، من الكشف عن laquo;شبكة تجسسraquo; تعمل لصالح إيران في الكويت تتكون من مواطنين ووافدين laquo;تتوافق أفكارهم مع ميول محددةraquo;... الجواب واضح... فلو مر هذا الخبر فسيولد أجواء من عدم الثقة والتفرقة بين المواطنين في البلد الواحد وفي المنطقة... انظر من هو المستفيد تعرف الفاعل.