حسن مدن

لفيلسوفنا العربي العظيم ابن رشد تحليل دقيق لطبيعة الدولة، فهو في شروحاته لأرسطو لاحظ أن السياسات التي عرض لها أرسطو وهو يتحدث عن نظم الحكم ldquo;ليست تلقى بسيطة وإنما تلقى أكثر ذلك مركبة، كالحال في السياسة الآن، وكان يقصد يومها زمن دولة الموحدين في الأندلس والمغرب، لأنها إذا تُؤملت توجد مركبة من فضيلة وكرامة وحرية وتغلبrdquo; .

وما أحوجنا حقاً لهذا النوع من التفكير المركب الذي ينظر للظواهر من جوانبها المختلفة، ويتقصى ما لها من أبعاد، في هذا الزمن الذي يسود فيه الخطاب التبسيطي في الفكر السياسي والممارسة السياسية في عالمنا العربي . وفي عبارة أخرى ما أحوجنا للعودة إلى نموذج ابن رشد في التفكير، هو الرجل الذي أنكره قومه، ونقلت أوروبا مؤلفاته إلى لغاتها فكانت جسراً عبرت من خلاله من ظلام قرونها الوسطى إلى نهضتها الحديثة، ولكن لكل مقام مقال، وليس هنا مقام هذا المقال .

حين أراد المفكر العربي محمد عابد الجابري الذي غادرنا للتو ldquo;عصرنةrdquo; مفاهيم ابن رشد تلك، قال إن المقصود بالفضيلة حكومة الأخيار، وبالكرامة حكومة الطموحات وطلب المجد، وبالحرية حكومة الشعب أو الدهماء، وبالتغلب حكومة وحدانية التسلط، أو الاستبداد، وليخلص من ذلك إلى أن نظام الحكم في الأندلس والمغرب في زمن أرسطو كان مزيجاً من الملكية والارستقراطية والديمقراطية والطغيان .

ليس شأننا هنا العودة إلى تلك الفترة، وإنما التمعن في التحليل المعمق لطبيعة الدولة الذي نحتاجه اليوم ونحن نتبصر في أحوال نظامنا السياسي العربي، حين يتعين علينا ألا ننظر إلى الدولة بصفتها شراً مطلقاً، وليست أيضاً خيراً لا يأتيه الباطل من شماله أو يمينه .

الحاجة إلى إصلاح الدولة حاجة ملحة، لا بل لعلها مهمة دائمة، فحتى لو أصلحت الدولة نفسها في أمر تظل أمور أخرى بعيدة عن الإصلاح، لذا لا يمكن الركون إلى منجزٍ هنا أو هناك حققته الدولة بصفته نهاية المطاف، فمهمة المجتمع الفاعل إبداء كل ما لديه من يقظة تجاه أداء الدولة بهدف الترشيد الدائم له عبر وسائل الضغط الدائمة .

لكن إصلاح الدولة ليس نفيها، وهذا مربط الفرس في ظروفنا اليوم خاصة، لأن نفي الدولة لن يؤدي، والتجارب أمامنا ماثلة ساطعة، إلا إلى الارتداد للعصبيات السابقة وما لها من ملل وطوائف ومذاهب وقبائل، بما يعيدنا إلى ما قبل قيام الدولة .