محمد السعيد ادريس

مشكلة حزب العدالة والتنمية التركي وزعيمه رجب طيب أردوغان مزدوجة، فهو يخوض في الداخل معركة تحول ديمقراطي تهدف إلى تصفية تركة أتاتورك الاستبدادية بشقيها: استبداد الجيش وتسلطه على الحياة السياسية من ناحية، واستبداد العلمانية المتطرفة المتدثرة برداء القومية المتشددة والمحتمية بمؤسسة القضاء ذات السطوة والنفوذ حتى ولو كانتا على حساب الإرادة الشعبية ممثلة في المؤسسة التشريعية (البرلمان)، وهو في الوقت نفسه يخوض معركة التوازن في التوجهات الاستراتيجية بين كون تركيا أوروبية وكونها أيضاً إسلامية ممتدة في جذور الشرق الإسلامي الآسيوي .

التوجه الأول يضع حزب العدالة والتنمية في مواجهة الجيش باعتباره حامي العلمانية والميراث الأتاتوركي، وفي مواجهة الأحزاب العلمانية وخصوصاً حزب، الشعب الجمهوري، بزعامة دينيز بايكال . أما التوجه الثاني فيضع الحزب في مواجهة التزاماته الغربية وأولها التزاماته بحلف شمال الأطلسي باعتبار تركيا عضواً مؤسساً في هذا الحلف، وطموحاته للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، لكن الأهم هو أن هذا التوجه يضع الحزب وتركيا في مواجهة روابط علاقات استراتيجية، وصلت أحياناً إلى مستوى التحالف، مع الكيان الصهيوني .

معركتان تؤثر كل منهما في الأخرى، فكل نجاح يحققه أردوغان في معركة الإصلاح الدستوري والتحول الديمقراطي يحرره كثيراً من قيود وضغوط العلاقة مع الغرب وrdquo;إسرائيلrdquo; ويحفزه للمزيد من الانغماس في الشؤون العربية والإسلامية لاستعادة أدوار تركية تاريخية مهمة باتت في أمس الحاجة إليها لتحقيق توازن الهوية الذي تعاني منه منذ سقوط الامبراطورية العثمانية . وكل نجاح يتحقق على هذا المستوى يضيف للحزب قوة ومصداقية جديدة في الداخل التركي، ويزيد من شعبيته ويقويه في مواجهة المنافسين في الداخل .

ما حدث خلال الأيام القليلة الماضية كان نجاحاً مزدوجاً، فالقمة الثلاثية التي عقدت في اسطنبول يوم الأحد الماضي وضمت كلاً من رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان والرئيس السوري بشار الأسد والشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أمير قطر وبحضور رئيس الوزراء القطري الشيخ حمد بن جاسم ووزير الخارجية التركي أحمد داوود اوغلو ووزير الخارجية السوري وليد المعلم، وما سبقها من قبول إيران لوساطة تركية في أزمة ملفها النووي، ومن تجديد سوري لأهمية الوساطة التركية في استئناف المفاوضات غير المباشرة بين سوريا وrdquo;إسرائيلrdquo; تزامنت مع نجاحات داخلية مهمة حققها الحزب وإن كانت نجاحات غير مكتملة في مشوار الإصلاح الدستوري والتطور الديمقراطي طويل المدى .

فبعد كفاح سياسي طويل خاضه حزب العدالة والتنمية على مدى 19 يوماً داخل البرلمان أمكن تمرير مشروع التعديلات الدستورية الذي أراده رجب طيب أردوغان، لكن التمرير جاء ناقصاً وزاد من تعقيد الأزمة، إذ لم يوافق البرلمان على المشروع بنسبة ثلثي الأعضاء وهي النسبة المطلوبة لتمرير المشروع ولكنه وافق بالنسبة البسيطة إذ حصلت التعديلات على موافقة 336 نائباً من إجمالي أعضاء البرلمان البالغ 550 نائباً باستثناء المادة الثامنة من هذا المشروع الخاصة بآلية حل الأحزاب وجعلها من مسؤولية البرلمان وليس من مسؤوليات القضاء إذ لم تحصل هذه المادة إلا على تأييد 327 صوتاً فقط .

هذا التصويت رغم أنه نجاح مهم إلا أنه وضع حزب أردوغان أمام مشكلتين، الأولى خاصة بفشل الحزب في الفوز بالمادة الثامنة من قائمة مواد الإصلاح الدستوري وهي مادة ذات أهمية قصوى في هذا المشروع لأنها تكاد تكون مفتاح الإصلاحات لأنها تحمي الحياة الحزبية ولا تجعل بقاء الحزب أو حله رهناً بإرادة القضاء المنحاز للعلمانية المتشددة وللقومية المفرطة، وربما يدفع حزب العدالة والتنمية نفسه ثمن هذا الفشل، إذ قد يتعرض للحل بقرار من القضاء بدعوى معاداته للعلمانية . المشكلة هنا ليست مخاطر عدم إقرار هذه المادة في البرلمان فقط ولكن رفض عشرة من نواب حزب العدالة والتنمية دعم هذه المادة عند التصويت عليها، فالمادة حصلت على 327 صوتاً في حين أن الحزب له 337 نائباً في البرلمان .

الوضع بهذا المعنى يحتمل صعوبات لكن ربما يعجل رجب طيب أردوغان بالاستفتاء الشعبي قبل إحالة المشروع إلى رئيس الجمهورية للتصديق عليه، على أمل الحصول على أغلبية كاسحة لدعم هذه الإصلاحات في الاستفتاء بما يضع المعارضة السياسية والقضاء وجهاً لوجه أمام الإرادة الشعبية، وهذا يعني أن أردوغان سيحتمي بالإرادة الشعبية باعتبارها ملاذه الأخير، لكن هذا يعني أيضاً أنه سيكون في حاجة أكثر إلى نجاحات خارجية تدعم شعبيته عند الأتراك، وربما نستطيع من هنا بالتحديد فهم القمة الثلاثية: التركية السورية القطرية التي جاءت مفاجئة رغم أهمية بنود الأجندة التي جرى التباحث بشأنها سواء كانت تهديدات ldquo;إسرائيلrdquo; بالحرب ضد سوريا ولبنان، أو أزمة برنامج إيران النووي، أو استئناف المفاوضات غير المباشرة بين ldquo;إسرائيلrdquo; وسوريا بوساطة تركية .