علي العنزي


توالت الأحداث في منطقة الخليج العربي في الآونة الأخيرة بشكل ملحوظ نحو التوتر السياسي والديبلوماسي بين إيران وعدد من دول الخليج حول عدد من القضايا، أهمها التصريحات المتبادلة حول احتلال الجزر الإماراتية الثلاث. المتتبع للأحداث في الخليج يلاحظ عدداً من المتغيرات التي لفتت أنظار المراقبين والمحللين في المنطقة منها:

أولاً: قيام إيران بمناورات عسكرية كبيرة في الخليج العربي، نفذها الحرس الثوري الإيراني ليستعرض قوته ومدى جاهزيته، ولتكون هذه المناورات رسالة للولايات المتحدة الأميركية لردعها عن القيام بأي مغامرة عسكرية تستهدف منشآتها النووية بحسب قول عدد من المسؤولين الإيرانيين الذين توالوا على التصريحات الصحافية خلال فترة المناورات، أعقبتها بعد أسبوع مناورات أخرى في الخليج نفذها الجيش الإيراني، واستعرض عدداً من قطعه البحرية وصواريخه الحديثة، معلناً عن بدء خط إنتاج لصواريخ حديثة للدفاع الجوي. كما أضفت مشاركة الرئيس أحمدي نجاد في مؤتمر مراجعة معاهدة حظر الانتشار النووي الذي عقد في الأمم المتحدة في نيويورك، وتصريحاته الإعلامية لوسائل الإعلام العالمية، بعداً إعلامياً وسياسياً لملف إيران النووي والتأزم بينها وبين الغرب بشأن برامجها النووية.

ثانياً: تصريحات وزير خارجية الإمارات الشيخ عبدالله بن زايد بشأن الجزر الإماراتية المحتلة، وتشبيهه للاحتلال الإيراني للجزر الإماراتية باحتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية، حيث كانت ردة الفعل الإيرانية متشنجة، ومتعالية وكأن الإمارات والدول العربية لا يطالبون بحقوقهم المشروعة والمدعومة بالبراهين والوثائق التي تثبت حقهم المشروع في هذه الجزر، وإلا لماذا ترفض إيران التحكيم في موضوع الجزر. كما أن بيان وكالة الأنباء الإيرانية بشأن تصريحات الشيخ عبدالله بن زايد تضمن تهديداً صريحاً لدول الخليج العربية، خصوصاً الإمارات العربية المتحدة، زادت حدتها بمطالبة بعض المسؤولين الإيرانيين بتغيير أسماء الجزر العربية إلى أسماء فارسية، وهو ما يثبت قطعاً عربيتها، وإلا لماذا هذه المطالبة بتغيير الأسماء.

ثالثاً: اكتشاف شبكة التجسس الإيرانية المكونة من مواطنين ومقيمين في الكويت، ومجندة من قبل الحرس الثوري الإيراني، لرصد المواقع الحيوية في الكويت، وأماكن تواجد القوات الأميركية المتمركزة فيه، ما يؤكد توجهات الحكومة الإيرانية نحو التصعيد مع الدول المجاورة في حال تعرضت لعمل عسكري من الولايات المتحدة الأميركية، وكذلك يؤكد القلق المتزايد لديها من هجوم أميركي على منشآتها النووية، في حال فشلت الجهود الديبلوماسية المبذولة من عدد من الدول وعلى رأسها البرازيل وتركيا.

رابعاً: اعتقال الوزير البحريني منصور بن رجب لاتهامه بتبييض أموال لحساب الحرس الثوري الإيراني، حيث يعتبر هذا الاعتقال مؤشراً على مدى تغلغل النفوذ الإيراني وإلى أي مستوى وصل في حلقات الدول الخليجية، معيداً إلى الأذهان التصريحات الإيرانية بشأن البحرين ومؤكداً النوايا الإيرانية تجاه دول الخليج في ما يتعلق بالهيمنة والسيطرة على الخليج.

خامساً: اقتراح تغيير أسماء الجزر العربية المحتلة من المسؤولين الإيرانيين، حيث عبر عدد من المسؤولين الإيرانيين عن تغيير أسماء الجزر العربية المحتلة إلى أسماء إيرانية، ما يدل أن أسماءها العربية تشكل لهم عقدة، تذكرهم بعربيتها دائماً، وهو النهج الذي تنتهجه إسرائيل مع الأراضي العربية المحتلة، بتغيير أسماء وطمس معالمها العربية، وهو دليل قاطع أن الاحتلال هو الاحتلال سواء كان إيرانياً أم إسرائيلياً، وهو ما قاله الشيخ عبدالله بن زايد.

سادساً: عجز الأحزاب العراقية، عن تشكيل حكومة عراقية بعد انتهاء الانتخابات و ظهور النتائج، ليعود التوتر الأمني في والتفجيرات، لخلق نوع من عدم الاستقرار فيه، المستفيد الوحيد منه هي إيران، ولذلك بدأت إعادة فرز الأصوات يدوياً لتزيد نسبة الشكوك في صدقية الانتخابات وبالعملية الديموقراطية ككل في العراق، وليتضح بشكل جلي مدى النفوذ الإيراني المتغلغل في هذا البلد العربي الذي أصبح رهناً لسياساتها وتوجهاتها الإقليمية والدولية، إذ تدخلت بشكل واضح قبل أيام وجمعت بين الكتلتين الشيعيتين ووقعا اتفاقاً لتشكيل حكومة، يكون رئيس الوزراء من هذه الكتلة، مما يكرس الطائفية في هذا البلد العربي العريق، على رغم رفض الشارع العراقي لها، والتصويت للكتلة المختلطة والتي فازت بالمركز الأول في الانتخابات.

أصبح التوجه الإيراني في الآونة الأخيرة تجاه الدول العربية، خصوصاً دول مجلس التعاون الخليجي هو الهيمنة والتصعيد، إذ لم يسبق أن صعدت إيران لهجتها تجاه دول الخليج العربية كما هو حاصل الآن، وما اكتشاف هذه الشبكات التجسسية إلا بداية الخيط لاستراتيجية إيرانية نحو السيطرة على المنطقة العربية بكاملها، مبتدئة بدول الخليج العربي أولاً، ومن ثم الانطلاق إلى الأجزاء الأخرى من الوطن العربي. أعتقد أن تصريحات أحمدي نجاد في نيويورك ولقاءاته مع وسائل الإعلام العالمية، أظهرت مدى الثقة الإيرانية بعدم حصول أي عمل عسكري، من خلال أقواله أن الآخرين لن يجرؤوا على مهاجمة إيران سواء الولايات المتحدة الأمريكية أم إسرائيل، أم غيرهما من الدول، كما أن تصريحاته تجاه روسيا والصين وموقفهما من قرار مجلس الأمن المزمع صدوره أيضاً يصب في هذا الاتجاه، مما يزيد في التكهنات والشكوك حول قضية الملف النووي الإيراني وعلاقات إيران مع الغرب.

السؤال المطروح هو: هل هذه الثقة نابعة من قدرة إيران على الدفاع عن نفسها والردع، أم أنها نابعة من اتفاق ضمني بينها وبين الولايات المتحدة بشكل خاص، بعدم تعرض أحدهما للآخر ومراعاة مصالحهما المشتركة في المنطقة؟

إن كل الشواهد والمؤشرات تدل أن الاتفاق الضمني هو الحاصل، إذ الاستفادة الغربية من تخويف دول المنطقة من الخطر الإيراني لابتزازها في مواقف سياسية واقتصادية، تخدم مصالحها أو مصالح حليفتها إسرائيل.

أعتقد أن أي تصعيد عسكري في المنطقة لا يصب في مصلحتها وسيعقد الوضع فيها، خصوصاً بعد كارثة احتلال العراق، وهو ما تنادي فيه دول مجلس التعاون الخليجي، مع التأكيد على قلقها من عدم التعاون الإيراني مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وكذلك تأكيدها أن من حق إيران وغيرها من الدول الاستخدام السلمي للطاقة النووية، إلا أن السؤال المطروح هو: هل يشهد الخليج صيفاً ساخناً هذا العام؟ أم أنها مجرد سحب سياسية تنجلي بعد فترة.