عبدالله خليفة الشايجي


الإعلام في عالم اليوم بلاشك بات قوة مهمة ومؤثرة لها حضور كبير في ما يُعرف بالقوة الناعمة التي تملكها الدول، والتي تسعى من خلالها لتكون مثالاً ونموذجاً يحتذى. وفي ظل الثورة التكنولوجية المصاحبة للعولمة، وفي خضم الأزمة المالية العالمية وتراجع حجم الإعلانات بشكل وصل إلى النصف، بات التهديد اليوم حقيقيّاً للصحافة الورقية من طرف الصحافة الرقمية ومن التكنولوجيا الحديثة، وخاصة أن الأزمة المالية الطاحنة أغلقت بالفعل المئات من الصحف في الشرق والغرب.

وقد سجل المشهد الإعلامي، منذ بداية الربع الأخير من عام 2008 وحتى نهاية النصف الأول من عام 2009، اختفاء ما لا يقل عن 103 مجلات منها 52 مجلة توقفت تماماً عن الصدور، مقابل 48 مجلة علقت صدورها بشكل مؤقت، فيما استغنت بعض الإصدارات الأخرى عن الطباعة الورقية واكتفت بالتحول التام إلى مواقع إلكترونية. وحتى في الولايات المتحدة تحولت صحيفة عريقة مثل quot;كريستيان ساينس مونيتورquot; إلى طبعة إلكترونية. كما تعرض quot;واشنطن بوستquot; اليوم للبيع quot;نيوزويكquot; وهي واحدة من أهم المجلات الأسبوعية في العالم.
وقد تبوأت الكويت المركز الأول في حرية الصحافة العربية بسبب هامش وسقف الحريات المرتفع المرتبط بالحراك السياسي الذي عرفت به منذ مطلع الستينيات، وخلال السنوات الخمس الماضية ومع صدور قانون المطبوعات الجديد، تم كسر الاحتكار للصحف الخمس ليصبح العدد خمس عشرة صحيفة، وليتجاوز عدد الفضائيات الخاصة العشر. ولكن الأزمة الاقتصادية العالمية، ومنافسة الإعلام الإلكتروني، وعزوف الشباب عن القراءة، كل ذلك جعل الصحف، قديمها وجديدها، في الشرق والغرب، تعاني الأمرَّين بسبب تراجع الإنفاق الإعلامي. وفي الكويت خاصة أغلقت مؤخراً صحيفة quot;أوانquot; المميزة التي امتهنت الاحتراف الصحفي، بعد عامين ونصف من انطلاقها لتلحق بصحيفة quot;الصوتquot;، ولتنضم إليها هي أيضاً صحيفة quot;الوقتquot; البحرينية.

ولكن أخطر ظواهر الإعلام الكويتي يتمثل في انحراف بعض المؤسسات الإعلامية، من صحف وفضائيات خاصة، عن رسالتها الإعلامية، وانخراطها في أجندات وأهداف تزاوج بين توظيف المال السياسي والقوة للتأثير على ما يجري، أو استخدام وسائل الإعلام كأوراق ضغط في المواجهات السياسية بين الحكومة ومجلس الأمة، والانحياز لفريق على حساب فريق آخر، حتى ظهر في الكويت مصطلح quot;الإعلام الفاسدquot;! وتحول الإعلام الخاص، بهذه الطريقة، من مهنة ورسالة إلى أداة وسلعة يتم توظيفها بعيداً عن التثقيف والتعليم والتوجيه، في اصطفاف وصل إلى حد تهديد تماسك المجتمع ونسيجه وشق الوحدة الوطنية لمجتمع صغير كالكويت، مما دفع سمو أمير دولة الكويت للتحذير في أكثر من مناسبة من هذه الظواهر السلبية، على رغم تأكيده المستمر على أن الإعلام في الكويت يعتبر جزءاً أساسيّاً من النظام الديمقراطي، وهذا ما يفرض المطالبة بإعلام حر ومسؤول ومنضبط. ولذا حذر الأمير من: quot;انحراف الإعلام في الكويت عن رسالته الوطنية، وتهديد الوحدة الوطنية والأمن الاجتماعي، وتعكير صفو علاقات الكويت الخارجيةquot;، وطالب بـquot;أن يكون الإعلام مشعلاً حضاريّاً للمعرفة، وأداة إيجابية فعالة في دعم جهود البناء والتنمية، ومنبراً للحرية المسؤولة والرأي المستنيرquot;.

لقد شاركت الأسبوع الماضي في quot;منتدى الإعلام العربي 2010quot; في دبي. وكنت ضمن متحدثين ومعلقين من الكويت في ندوة ضمت وزراء إعلام ومسؤولين سابقين ورؤساء تحرير وخبراء في الشأن الإعلامي الكويتي ضمن ورشة عمل بعنوان: quot;الإعلام الكويتي: ازدهار وتوسع يذكر بالريادةquot;. وقد سلطنا الضوء نحن المشاركين الكويتيين في القاعة، التي اكتظت بالحضور، على تراجع الإعلام في الكويت. إذ على رغم الطفرة الكبيرة في وسائل الإعلام الخاصة في البلاد، إلا أن النوعية هي ما بتنا نفتقده. وفي ذلك تعليق مختصر على النموذج الكويتي ككل، الذي كان سباقاً ورائداً في المجالات السياسية والاقتصادية والاستثمارية والرياضية والإعلامية والأكاديمية، فإذا به اليوم يشهد تراجعاً عن الريادة التي كان يتبوؤها. والسؤال: ما الذي حدث؟

الواقع أن كل ذلك الكم الهائل من وسائل الإعلام الخاصة بصخبها وتنافسها وتسعيرها أحياناً للاحتقان السياسي، وأحياناً أخرى توظيفها للخلافات السياسية والاجتماعية والطائفية على نحو باتت معه عنصراً يهدد الأمن الوطني والوحدة الوطنية لمجتمع صغير لا يملك ترف كل ذلك الشحن والمماحكات، تحول إلى حالة مستعصية، باتت بحاجة إلى وقفة تقويمية وتصحيح ليتحول المد والزخم الإعلامي الكويتي من دور سلبي مسيء إلى لعب دور إيجابي وفاعل يساهم في البناء والنهضة.

نعم، الإعلام الكويتي بحاجة إلى وقفة تقويمية تصحح بعض الانحراف والاعوجاج الذي شابَهُ، وخاصة أن الكويت تملك المؤهلات والخبرات والتجربة الأطول في المنطقة، ولديها الكوادر المدربة والكفاءات المؤهلة، وكل ما تحتاجه هو الإرادة القوية لتصحيح المسار بعيداً عن الأجندات والحسابات والاصطفاف المعيب، والتفكير بجدية بعيداً عن الممارسات الحالية التي لن تساعد الكويت، بحال، على استعادة الريادة في مجال الإعلام. والأهم من ذلك كله هو عودة الكويت كنموذج ملهم ومحفز في فضائها القريب، والبعيد.