سعد محيو

هل اقترب موعد ldquo;الفيضان الكبيرrdquo; في مصر؟

أجل، مع توضيح: الفيضان الذي نقصد ليس مائياً بل هو استراتيجي .

فمصر تتعرّض بالفعل هذه الأيام إلى ldquo;مؤامرة متكاملة النموrdquo; (بالإذن من أرباب نظرية المؤامرة)، وعلى المستويات كافة: من الدور الاستراتيجي القومي إلى الأمن الوطني الجغرافي، ومن الريادة الفكرية والثقافية إلى الاكتفاء الاقتصادي والكفاية الاجتماعية .

هذه المؤامرة لم تكن واضحة تماماً في العام 1979 حين دخلت أرض الكنانة إلى السلام مع ldquo;إسرائيلrdquo; وخرجت من الصراع العربي- ldquo;الإسرائيليrdquo;، إذ بدا في ذلك الحين أن السلام سيكون فرصة للبناء الذاتي الذي شتتته في السابق الانهماكات الإقليمية الناصرية في أواسط القرن العشرين، وقبلها المحاولات الإمبراطورية لمحمد علي الكبير في أوائل ومنتصف القرن التاسع عشر .

لكن يتبيّن الآن أن الصورة لم تكن على هذا النحو .

فالسلام الذي كان يُفترض أن يقود إلى نظام شرق أوسطي جديد لمصر دور قيادي فيه، يُفسح في المجال الآن أمام نظام إقليمي تستبعد فيه مصر لصالح تركيا وإيران وrdquo;إسرائيلrdquo;، وهذا تطور لم يكن في وسع أحد التنبؤ به في السبعينات .

والأمن الوطني المصري في بعده الإفريقي، ناهيك عن الإسلامي، الذي كان يجب أن يكون مضموناً بقوة هذا السلام، يتعرّض حالياً إلى تحديات خطيرة هي الأولى من نوعها في التاريخ، حيث تتحرّك دول منبع النيل (بدفع من ldquo;إسرائيلrdquo; على ما يشاع) لمحاولة تقليص حصة مصر من مياه النهر، ما سيعني خنق البلاد عطشاً .

يضاف إلى ذلك أن تحويل مصر من قوة زراعية وصناعية إلى اقتصاد خدمات، أو على الأقل إلى اقتصاد محركه الرئيس الخدمات السياحية والمالية، يتناقض تمام التناقض مع الجغراسيا التاريخية لمصر .

كل هذه المعطيات لن تمر مرور الكرام، وهذا ما سيجعل الفيضان الكبير، أي رد الفعل المصري على هذه المؤامرة الحقيقية، أكثر من متوقع .

لكن كيف؟ سنأتي إلى هذا السؤال بعد قليل . لكن قبل ذلك، استعادة لبعض الاستشرافات التنبؤية التي وضعها العالم العبقري الجغرافي والاستراتيجي المصري جمال حمدان في مذكرات كُتبت في الفترة بين 1990 و1993:

مصر اليوم إما القوة أو الانقراض . إما القوة أو الموت . فإذا لم تصبح مصر قوة عظمى تسود المنطقة فسوف يتداعى عليها الجميع يوماً ما كrdquo;القصعةrdquo; أعداء وأشقاء وأصدقاء أقربين وأبعدين . من المتغيرات الخطرة التي تضرب في صميم الوجود المصري ليس من حيث المكانة فقط ولكن المكان نفسه ما يلي: لأول مرة يظهر لمصر منافسون ومطالبون ومُدّعون هيدرولوجيا (أي مائياً) .

كانت مصر سيدة النيل بل مالكة النيل الوحيدة . الآن انتهى هذا وأصبحت شريكة محسودة ومحاسبة، ورصيدها المائي محدود وثابت وغير قابل للزيادة إن لم يكن للنقص والمستقبل أسود . ولّت أيام الغرق وبدأت أيام الشرق وعُرفت الجفاف لا كخطر طارئ ولكن دائم ldquo;الجفاف المستديمrdquo; بعد ldquo;الري المستديمrdquo; .

نبوءات رائعة حقاً، كأنها كانت حين تسطيرها قبل نيّفٍ وعشرين سنة قراءة في كتاب مفتوح صدر العام 2010 .

فالجميع في الشرق الأوسط وخارجه يتداعون ضدها الآن تماماً كrdquo;القصعةrdquo;، والجميع يشعر بأنه صاحب دور كبير في غياب الأخ الأكبر .

وهذا وضع لا يمكن أن يستمر، الأمر الذي يعيدنا إلى سؤالنا الأولي: كيف سترد مصر؟