سيد أحمد الخضر


الغرب ترتعد فرائصه خوفاً من الإسلام والجاليات المسلمة التي تحمل مبادئ تهدد توفق الغرب وقيمه المهيمنة على أرجاء المعمورة، لذلك نرى الحكومات الغربية تسيء للإسلام وتمنع النقاب وتضيق على الجاليات المسلمة!! هكذا زعم الذين دأبوا على معالجة الأمور خارج سياقاتها العامة، وإعطاء أي جزئي حكم الكلي.
قبل فترة تحدثت مع أحد الإخوة المغاربة، على متن طائرة متوجهة إلى باريس، حول أوضاع الجالية المسلمة في فرنسا فكان كل حديثه سباً ولعناً لبلد الكُفر الذي يكره المسلمين ويضيّق عليهم.. كان يدعو عليهم بكل ما يهتدي إليه لسانه من مفردات الزلازل والخراب وما يحمله قلبه من كراهية وبغض للآخر الذي آواه وكفل له الأمن وحرية الرأي والمعتقد. وعلى متن ذات الرحلة تعرفت على فرنسي قادم من كابول ففاجأني باحترامه الشديد للأفغان، وعندما سألته عن موقفه من طالبان قال: ربما يصعب عليهم التكيف مع التطور لكنهم ليسوا إرهابيين بدليل أني أعمل في أفغانستان ولم يقل لي أحد كلمة سوء. هم يستهدفون فقط جنود حلف الناتو والمتعاونين معهم. ما بين الرجلين هو الفرق بين المبالغة في الإنصاف وبين إتقان إنكار الجميل.
ثقافة أخينا المغاربي هذه هي ثقافة العامة التي توجه، للأسف، النخبة في عالمنا العربي. لقد شغلوا الناس بالحديث عن منع النقاب في فرنسا حتى أصبح تناوله فرض عين وعنوانا لنصرة القضايا الإسلامية وربما تجاوز في أولويات البعض تحرير القدس.
فعلا الغرب بالغ في التعاطي مع موضوع النقاب وربما وظفت دوائر القرار هناك الموضوع سياسيا لاستمالة بعض التيارات الشعبية التي بدأت الزحف نحو بيعة أحزاب اليمين المتطرفة. لكن المجتمع الإسلامي بالغ أيضا إلى حد كبير في الاهتمام بالموضوع الذي أصبح على قمة الضرورات بالنسبة للمثقفين ووسائل الإعلام..
إن لعن دول الغرب ليل نهار على إثر منع النقاب فيه الكثير من النفاق السياسي والقفز على الواقع وربما الجهل بالدين فالتضييق على المنقبات وحتى المحجبات شائع في غالب الدول العربية وفي بعض الأحيان يكون التبرج شرطا لازماً لحصول المرأة على الوظيفة المناسبة، هذا أولا وثانيا تعلمون أن كثيرا من العلماء يقولون إن النقاب ليس واجبا إنما هو زيادة في الستر تثاب فاعلته ولا حرج على من تتركه. والأهم من هذا كله هو أن تعاطي الغرب مع الجاليات المسلمة ليس سيئا في مجمله بحكم أن هذه الجاليات تبدلت أحوالها حسْنا بعد سوء فبالإضافة إلى تغير أحوالهم المادية أتيح لهم معايشة الحرية الكاملة وهو ما لم ولن يحصل في الدول أو المعسكرات التي قدموا منها.
إن القول بأن الغرب يخاف من الإسلام لا يقوم على سند بل يكذبه الترخيص للمراكز والمدارس الإسلامية والجوامع في جميع دول العالم الحر، ولعل مسجد مرسيليا الذي يتسع لثمانية آلاف مصلٍّ ويضم مكتبة إسلامية ومركزاً لتعليم القرآن رسالةٌ بأن الغرب مستعد لاحتضان الإسلام. وتدركون أن المسجد بدوره الروحي وإشعاعه الحضاري أكبر أثرا من ارتداء النقاب فبينما يمكِّن المسجد من نشر العلم والدعوة إلى الإسلام لا يتجاوز أثر النقاب جسم من تلبسه.
أعتقد أن المشكلة تكمن في أن الجاليات المسلمة في أوروبا لم تبتعد عن العالم الإسلامي والعربي إلا جغرافياً فقط فما زال نمط الحياة الذي ألفوا عليه آباءهم يرسم وعيهم ويحدد أولوياتهم.. ولعل حقيقة أن الإسلام صالح لكل زمان ومكان يفهمها البعض على نحو من السطحية بمعنى أنهم يعتقدون أن الطريقة التي يمارس بها الإسلام في دولهم صالحة لأن تطبق في كل جزء من الأرض لكن ذلك ليس صحيحا إنما المقصود هو أن الإسلام قابل للتكيف مع كل زمان مكان نظراً لوسطيته وابتعاد تعاليمه عن الجمود ومن حق أهل كل بلد أن يتعاملوا مع الحنفية السمحة وفقا لخصوصيتهم وبيئتهم فباريس ليست مقديشو.