حسن البراري
في خضم الاستعدادات الأميركية لأخذ الملف النووي الإيراني لمجلس الأمن وفرض عقوبات قاسية بحق إيران بسبب موقف الأخيرة من مجمل الملف النووي، توصلت البرازيل وتركيا لاتفاقية بشأن الملف النووي يمكن لها -إن وظفت بشكل صحيح من قبل طهران- أن تجنب إيران عقوبات حتمية، وبخاصة بعد أن انضمت روسيا رسمياً للمساعي الأميركية لبناء حالة الحصار والعقوبات ضد طهران.
لكن المسألة ليست بهذه البساطة، فما زالت السياسة الأميركية في المنطقة تمتاز بالانتهازية والازدواجية، وهي تقوم بتصوير إيران laquo;بعبعاًraquo; وكأن إيران هي وحدها من يهدد استقرار الإقليم، متناسية التهديد الحقيقي المتأتي من السياسات الإسرائيلية التوسعية التي تشعل الإقليم منذ سنوات، وهي تتهرب من استحقاقات السلام.
هناك تيار في الولايات المتحدة تسانده إسرائيل يرفض أن يرى أي تحول في موقف إيران، لأن الأخيرة -حسب منطق هذا التيار- تستخدم استراتيجيات شراء الوقت، كلما ضاقت الحلقة حول عنقها، وبهذا المعنى فإن إيران بتوصلها إلى اتفاق مع تركيا والبرازيل إنما تريد أن تستبق محاولات فرض الحصار والعقوبات، ولكنها لا تنوي التوقف عن مشروعها النووي الذي يقلق مضاجع القادة الإسرائيليين.
وبهذا المعنى فهي ترى أن الصفقة التي عقدت في طهران مع البرازيل وتركيا إنما هي خدعة إيرانية جديدة تهدف لتحقيق هدف واحد: تقويض الخطة الأميركية بخصوص العقوبات.
وترتفع بعض الأصوات في واشنطن التي تطالب بأن يقوم الرئيس باراك أوباما بتقديم مسودة قرار لمجلس الأمن لفرض عقوبات إضافية ضد إيران، وإذا ما أخفق الرئيس في فهم هذا المنطق والتصرف حسب مقتضياته فإن استراتيجيته القائمة على منع إيران من صنع السلاح النووي ستؤول إلى الفشل. ويصر هذا الفريق على أن طهران لم تخرج بعد من لعبة تقديم تنازل تكتيكي كلما تمكنت واشنطن من حشد التأييد الدولي بخصوص شكل الإجراء الواجب اتخاذه لردع أو تقويض مساعي إيران في الحصول على المقدرة النووية.
وينضم إلى جوقة المحرضين ضد إيران تل أبيب التي تفيد التسريبات منها بأن نتنياهو منزعج جدا من قيام دول من المرتبة laquo;الثانيةraquo; في محاولة التوصل لاتفاق مع طهران وفرض شروط الاتفاق على الدول العظمى أو الدول التي ترى في إيران مصدرا رئيسيا يهدد استقرارها وربما وجودها. وفي هذا السياق لا بد من الإشارة إلى أن كلاً من تركيا والبرازيل دولٌ أعضاء في مجلس الأمن، ومن هنا يمكن لهما التأثير على مجريات الأمور في مجلس الأمن، وهما بهذا المعنى ستقومان بما يلزم من أجل الدفاع عن الاتفاقية في مجلس الأمن. صحيح أن روسيا انضمت إلى مساعي الولايات المتحدة، وصحيح أن الصين بصدد الموافقة على صيغة عقوبات مخففة، لكن الصحيح أن الاتفاق الجديد ربما يقدم لكل من روسيا والصين الذريعة للتحرك بشكل ربما لا يرضي واشنطن.
في النهاية، لا يمكن أن يفوت المراقب لديناميكية الصراع حول الملف النووي الإيراني أن إيران هي أقدر من خصومها في التعامل مع الملف حتى الآن، فهي تلعب لعبة الأعصاب مع الولايات المتحدة، وتقوم بتقديم مفاجآت كلما ساعدها ذلك على تعقيد مساعي أميركا في أخذ المجتمع الدولي تجاه فرض العقوبات.
ومع ذلك هناك أصوات يسارية نوعاً ما تطالب بأن ترحب أميركا بالاتفاقية، لأن الطريقة الوحيدة لحل النزاع مع إيران هي الدبلوماسية، أما الخيار العسكري فهو لن يحسم الأمر لأسباب وجيهة هي أن الحرب قد تؤخر المشروع النووي لكنها لا تنهيه، ثم إنه ليس من مصلحة أميركا أن تشن حربا جديدة في الشرق الأوسط، وأخيرا يمكن القول إن أي هجوم عسكري ضد إيران سيعمل على تقوية النظام السياسي في إيران، ويمكن له أن يفجر حربا شرق أوسطية جديدة تطال أطرافا عديدة في المنطقة، وتخلط الأوراق الإقليمية مرة أخرى ربما بشكل لا يخدم استراتيجية أميركا على المديين المتوسط والبعيد.
من المبكر الحكم على نوايا النظام الإيراني، لكن إيران تلعب لعبة كلما اشتدت عليها الضغوطات، ويتبين بعد ذلك أنها مجرد سحابة دخان ولا ينتج عنها شيء، وهذا الفيلم شاهدناه من قبل.
التعليقات