حسن مدن

ldquo;الغربrdquo; هو كيان جغرافي . فهذه اللفظة لا تدل على موقع أو مكانٍ بعينه، سوى أنه المكان الذي تغرب فيه الشمس، ولأن الأرض تدور فإنه يتبدل معها . بيد أن إحدى الكاتبات تقول إن الغرب، لغةً، هو عند العرب مكان الظلمات والمجهول، فحيث تغيب الشمس تنتظرك الظلمات .

والغرب، إلى ذلك، هو أرض الأجنبي، ومنه اشتقت صفة الغريب . ويقال إن تسمية أحد الطيور بالغراب مشتق، لغة، من هذه اللفظة، ويحمل دلالتها، لأن هذا الطير يحمل سوء الطالع ويبعث على التشاؤم .

لكن كاتباً أجنبياً يرى أن الغرب، في الجغرافيا السياسية المعاصرة، يعني العالم الغربي الذي هو عبارة عن مثلث تحيط أضلاعه بنصف الكرة الأرضية الشمالية، حيث أوروبا الغربية واليابان والولايات المتحدة . وفي بعض الأدبيات العربية يقصد بالغرب أوروبا وأمريكا، وهذا يبدو أقرب إلى الدقة، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار الوضع الخاص لليابان .

في ظروف النظام الدولي الجديد لا نستطيع مطابقة أوروبا بالولايات المتحدة في الموقف، رغم أن ثقافتنا السياسية مشبعة بنظرية أن 99% وأكثر من أوراق الحل والربط في المنطقة هي بيد الولايات المتحدة، ورغم أن أوروبا نفسها لم تبرهن دائماً على استقلالية يعتد بها عن الموقف الأمريكي، فهي إما تساوقت معه أو رضخت للضغوط التي مورست عليها للسكوت عنه .

ولكن هذا حدث أيضاً بسبب هشاشة الموقف العربي نفسه، للدرجة التي وجدنا معها دولاً إفريقية هي أقل أهمية بالمعايير السياسية والاقتصادية والاستراتيجية من الدول الأوروبية لم تعد تحسب حساباً للموقف العربي حين تقرر مدى وحجم علاقتها بrdquo;إسرائيلrdquo; .

رغم ذلك علينا القول إن ما بين أوروبا والعالم العربي من وشائج يختلف عن تلك التي بينه وبين الولايات المتحدة . فحضارة اليونان مُصنفة بأنها أوروبية، لكن أوروبا تعرفت إليها وهي أكثر ثراء وغنى بمساهمات الفلاسفة العرب ومن خلالهم .

سجل أوروبا عندنا ليس ساطعاً . يكفي التاريخ الاستعماري الطويل لدول أوروبية مهمة في المنطقة، لكن وبعيداً عن أية أوهام فإن الحوار العربي الأوروبي حاجة ماسة وملحة للعرب وللأوروبيين على حدٍ سواء، أولاً لتجاوز حالة التحكم في إدارة العالم من مركز واحدٍ، وثانياً للمساحة الواسعة من المصالح المشتركة بيننا وبينهم، وثالثاً، لتأكيد قيم التجاور الثقافي بديلاً لمسعى الهيمنة الأمريكي .

لدى أوروبا ما تقدمه، ولدى العرب ما يفعلونه .