حسن البراري


رسم وتحديد الأهداف والأولويات هو أمر مهم لدى القادة الأميركان، وهم بذلك يستندون على ما يسمى استراتيجية الأمن القومي. وقد أعلن قبل أيام قليلة ماضية عن استراتيجية الأمن القومي الأميركي للرئيس أوباما، والتي جاءت على النقيض من الاستراتيجية ذاتها التي تبناها الرئيس بوش.
فما أقدم عليه تنظيم القاعدة في هجمات الحادي عشر من سبتمبر في عام 2001 زوّد المحافظين الجدد -آنذاك- بالمبرر الكافي لوضع أيديولوجيتهم موضع التنفيذ عندما أسهموا وبشكل كبير في إعادة صياغة استراتيجية أمن قومي تبنتها إدارة بوش ركزت على الأحادية، والتقليل من أهمية الحلفاء عندما يتطلب الأمر، واستندت على الحروب الاستباقية بدلاً من الردع الذي ميّز استراتيجية أميركا طيلة عقود الحرب الباردة.
كان الرئيس أوباما من أشد المعارضين ليس فقط لحرب العراق التي شنتها أميركا وفقاً لاستراتيجية الأمن القومي، وربما لهذا السبب وتغير البيئة الاستراتيجية جاءت استراتيجية الأمن الوطني التي صدرت قبل أيام قليلة لتعبر عن خارطة طريق، أو إطار متماسك من التنظير الاستراتيجي لأهداف السياسة الخارجية، وطريقة التعامل مع قضايا الأمن الوطني وبخاصة بعد بروز ما يسمى بالإرهاب الناشئ محلياً (homegrown) بعد حادثة فورت هود الشهيرة وكذلك حادثة تايمز سكوير الأخيرة.
اللافت أن الاستراتيجية الجديدة جاءت بمقاربة جديدة للتعامل مع تنظيم القاعدة بعد أن عرّفه صناع القرار والمحللين السياسيين على حد السواء في أميركا بأنه laquo;العدو الأولraquo; لأميركا الذي يجب حرمانه من ملاذات آمنة يلجأ إليها للحماية وللتخطيط لشن هجمات جديدة، وينبغي القضاء عليه وإضعافه حتى لا يتمكن من النيل من الأميركان في داخل أميركا، ولا يهدد مصالح أميركا في مختلف أنحاء العالم، وبخاصة في الشرق الأوسط ووسط آسيا.
ولأن التعلم يأتي عن طريق التجربة والخطأ، فقد التقطت الإدارة الجديدة أن أفضل طريقة للتعامل مع مصدر التهديد يتطلب خلق الظروف المناسبة لانكشاف استراتيجي للتنظيم، ولا يتأتى ذلك إلا من خلال إرسال رسالة واضحة بأن حرب الولايات المتحدة ليست مع الإسلام كدين ولا المسلمين كمعتنقي أحد الأديان السماوية، وإنما حرب مع تنظيم القاعدة الذي يشكل مصدر التهديد الرئيس للولايات المتحدة. ويأمل القادة الأميركان أن تجد هذه الرسالة طريقها للشباب المسلمين لحرمان القاعدة من القدرة على تجنيد المزيد من المقاتلين والانتحاريين.
وهنا فكرة عزل تنظيم القاعدة كهدف أميركي تأتي في ظل فهم جديد مفاده أن القاعدة تسعى ليس فقط لتوريط الولايات المتحدة في حرب استنزاف، وإنما أيضا في خلق انطباع أن الولايات المتحدة تستهدف الإسلام والمسلمين (في إطار نظرية المؤامرة) لدفع الكثيرين منا لبناء تصوراتهم الاستراتيجية والأمنية بناء على هذا التصور أو الانطباع، لذلك يحاول تنظيم القاعدة الإيقاع بأميركا لعلها ترتكب حماقة عسكرية أو ترتكب مجزرة تضعف من قوة أميركا الأخلاقية في حقها في التصدي للإرهاب العالمي، فهي في نهاية الأمر من دفع ثمنا غاليا لهجمات الحادي عشر من سبتمبر.
والأهم أن الفهم الجديد في واشنطن، والذي يقوده تيار من الواقعيين السياسيين يستند على فرضية أن القاعدة نجحت في فترة من الفترات في جر قدم الولايات المتحدة لتتبع سياسات أبعدت عنها الحلفاء في أوروبا، وأضعفت حلفاءها في العالم العربي، وكشفت عن وجه قبيح لأميركا كان الأولى أن تحرص على عدم كشفه. وحتى عندما اقتنع بوش بأنه بحاجة لتحسين صورة أميركا لم يتخذ الخطوة المهمة في تغيير سياسته أو استراتيجيته، وإنما عيّن كارن هيوز وزودها بميزانية ضخمة لتعمل على تحسين صورة أميركا، وهو الأمر الذي أخفقت في تحقيقه واستقالت في نهاية الأمر. فالسياسة الخارجية الأميركية جعلت من أميركا قوة لا يخشاها الآخرون ولا يحترمونها، وبدأت تفقد بعضاً من مزايا القوة الناعمة التي تحدث عنها جوزيف ناي في كتابه الشهير laquo;حتمية القيادةraquo; في عام 1992.
وبكلمة، لن تتمكن واشنطن من تغيير الكثير إلا إذا استبطنت مرة وللأبد بأن الموقف منها ليس بسبب قيمها، كما يحاول أن يروّج لذلك اليمين الأميركي المتصهين، وإنما بسبب سياساتها في الإقليم.