محمد عبد اللطيف آل الشيخ

عندما تشارف التنظيمات الدموية والثورية على النهاية تلجأ عادة إلى الأهداف السهلة. لا خلاف أن القاعدة، ومعها - أيضاً - ثقافة التزمت والتشدد والانغلاق في مجتمعنا، تواجه محاصرة على الأصعدة كافة، وليس على الصعيد الأمني فحسب. ومن المعروف تاريخياً أن هذه التنظيمات الدموية عندما تضعف وتُحاصَر وتوشك على النهاية تلجأ إلى الاغتيالات؛ على اعتبار أن الاغتيالات أهداف سهلة وممكنة التنفيذ، ومأمونة الجانب نسبياً، على خلاف الأهداف الأخرى التي كانت ضمن أجندتها عندما كانت في أوج قوتها. ولن يجد دعاة القاعدة ومنفذو توجيهاتها كبير عناء في استحضار الأدلة من (السنة) والتاريخ، وإعادة فبركتها كالعادة، ثم إسقاطها على الواقع والهدف، ليبدو الأمر للبسطاء الصغار -المنفذين - وكأنهم يُحيون (سنة نبوية) كادت أن تندثر، و(يتعيّن) على هؤلاء الصغار إحياؤها، ويكون لهم بذلك في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة؛ وحسنة الآخرة فيما لو قتلوا، أو حسب قواميسهم استشهدوا، (الحور العين) اللاتي إليهنَّ يرنو (شبقهم) الجنسي الهائج، أو المُهيّج، من قبل دعاة القاعدة ووعاظها مُكرسي هذه المفاهيم في أذهان الشباب الساذج البسيط.

ويبدو أن هيلة القصير الإرهابية المعتقلة حديثاً ليست سوى (ذريعة) لتبرير مرحلة الاغتيالات ليس أكثر. وإلا لماذا سكتت القاعدة عن اعتقال كثير من أعضائها، وبعض كبار منظريها ودعاتها، واستشاطت غضباً عندما اعتقلت هذه الإرهابية؟.. ثم إن هيلة القصير التي جرى اعتقالها مؤخراً ليست العنصر النسائي الوحيد المعتقل من قبل السلطات الأمنية في المملكة، فقد تم ضبط غيرها، وربما من هُنّ أهم منها، ومع ذلك سكتت قيادة القاعدة ولم تصعد كما صعدت عند اعتقال هذه الإرهابية. لذلك فإن القول إن القصير لها مكانة (حركية) في التنظيم أكبر من غيرها وبالتالي كانت ردة فعل القاعدة على اعتقالها بهذه القوة والتصعيد مبرر لا يمكن قبوله. الذي أرجحه أن القاعدة قررت الانتقال إلى مرحلة الاغتيالات، وأن اسم هذه المرأة جاء عَرضاً، أو هو مجرد مبرر وذريعة للانتقال إلى هذه المرحلة ليس إلا. ولا أدري كيف سيكون موقف أصحاب البيانات أو (المرجفين) في المدينة من قضية انتقال القاعدة وإرهابييها إلى مرحلة (الاغتيالات والخطف). وأعني بالمرجفين أولئك الذين لا همّ لهم إلا تصيّد كل قرار إداري حكومي ومعارضته متخذين من الإسلام وتعاليم الإسلام ذريعة. الاختلاط حتى وإن كان بضوابط شرعية قالوا فيه ما لم يقله الإمام مالك - رحمه الله - في الخمر. تقييد سن الزواج، ومنع زواج القاصرات صعّدوا ضده. الرياضة في مدارس البنات اعتبروها مطلباً لا يتناسب مع تعاليم الإسلام.

والسؤال: كيف سيكون موقفهم من الاغتيالات واختطاف عِليَة القوم في المملكة التي أعلنت عنها القاعدة مؤخراً؟

أغلب الظن - وأرجو أن أكون مخطئاً - أننا لن نسمع تجاه هذا التهديد وهذه الفتنة أيَّ صوت معارض أو مُندد من أولئك الذين تعودنا منهم التصعيد ضد أي قرار إنمائي حكومي. فكأني بلسان حالهم يقول: (لم آمر بها ولم تسؤني). ومثل هذا الموقف (المتوقع)، والمائع، والمتخاذل، يفضحهم ويكشف للجميع أن تصعيدهم ضد بعض القضايا (الفقهية الخلافية)، كقضية الاختلاط مثلاً، هو تصعيد سياسي وليس دينياً، وإلا فهل أصبح قتل الغيلة والخطف أقل خطراً شرعاً وعقلاً من الاختلاط، أو تقييد سن الزواج، أو الرياضة في مدراس البنات؟

دعونا نرى كيف سيتعامل - مثلاً - أحد كبار أساطين التكفير في البلاد الذي (كفر) مُستبيح الاختلاط من موقف هؤلاء الخوارج وفتنتهم؛ هل سيكفرهم قياساً بتكفير السلف للخوارج؛ أم سيتلمّس لهم ولإرهابهم وفتنتهم عذراً، على قاعدة: لعلَّ له عذرًا وأنت تلومُ؟ إلى اللقاء.