جريجور يوبيتزا


إيران ليست دولة مارقة. فهي، بعكس ما يتصور الكثيرون، تهتم بمكانتها في المجتمع الدولي، وصورتها لدى القوى العظمى. وهذا هو أحد الدوافع الأساسية الكامنة وراء برنامجها النووي لابد من أخذه في الاعتبار عند مناقشة احتمالات نجاح العقوبات التي سيتم فرضها على إيران. ومن ثم تعتمد الجولة الرابعة من العقوبات ضد إيران على قدرتها في الضغط على هذا العصب الحساس
إيران، خلافًا للقناعة السائدة، ليست دولة مارقة، بل شديدة الاهتمام بمكانتها في العالم وتسعى إلى إضفاء الشرعية على حكومتها في أعين المجتمع الدولي. فإيران تشبه من نواح كثيرة روسيا السوفيتية أو الصين الماوية، أكثرمن كونها تشبه دولة منبوذة، مثل كوريا الشمالية الشيوعية، أو بورما العسكرية، أو العراق بعد عام 1991. وليست الحسابات الأمنية أو بقاء النظام هي فقط الدافع وراء برنامجها النووي، بل إن جزءًا كبيرًا من هذا الدافع يكمن في الرغبة في تحقيق مكانة وهيبة دولية عالية. والأفضل للعالم أن يأخذ هذا في اعتباره، عند بحثه عن حل للأزمة النووية.
وفي الواقع، لن تنجح الجولة الرابعة من العقوبات التي ستُفرض على إيران في الأشهر المقبلة، إلا إذا نجحت في الضغط على هذا العصب الحساس. فبالرغم من أن رغبة طهران في الحصول على الاعتراف الدولي هي أحد الدوافع الرئيسية لامتلاكها سلاحًا نوويًا، فإنها قد تكون نقطة ضعفها الكبرى. وفي حين قد يبدو القول بأن إيران ليست دولة منبوذة، قولا غير صحيح للوهلة الأولى، إلا أن سلوك إيران بشأن القضية النووية يوحي بأنها تهتم كثيرًا بصورتها لدى الدول الأخرى. وهناك ثلاث قضايا رئيسية مهمة في هذا الصدد.

أولاها، تسعى إيران باستمرار لإضفاء الشرعية على برنامجها النووي في إطار معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، بدلًا من رفض المعاهدة كليًا، كما فعلت بلدان أخرى في الماضي. والهند وباكستان وإسرائيل، هي كلها دول لم تُوَقِّع على المعاهدة، وقامت بتنفيذ برامجها النووية الخاصة. كما انسحبت كوريا الشمالية من معاهدة حظر الانتشار النووي في عام 2003، وقررت المُضي قدُمًا في تصنيع الأسلحة النووية.
بالرغم من أن إيران كان بإمكانها أن تفعل الشيء نفسه، فإنها ما زالت تدعي، سواء أكان هذا الادعاء صادقًا أم لا، أن برنامجها النووي هو للأغراض السلمية المشروعة، وبالتالي فإنه لم يخرج عن الإطار القانوني لمعاهدة حظر الانتشار النووي. وفي حين قد يدعي بعض المتشككين أن طهران تفعل هذا كسبًا للوقت لا أكثر، إلا أنه من الواضح أيضا أن هذا التصرف من جانب الإيرانيين يمكنهم من الحصول على الدعم الدولي الذي يتلهفون للحصول عليه. وقد قامت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون، أخيرًا بزيارة البرازيل، التي تشغل حاليًا مقعدًا غير دائم في مجلس الأمن الدولي، في إطار سعيها إلى الحصول على إجماع في الآراء من أجل فرض العقوبات على إيران. ولكن جهودها باءت بالفشل بعد رفض الرئيس البرازيلي، لولا دا سيلفا، الذي أوضح أن البرازيل ستؤيد برنامج إيران النووي، طالما أن أغراضه سلمية.

ثانيًا، تخشى إيران، على عكس الأنظمة المارقة، من العزلة الدولية. وتبحث بشكل محموم، من خلال التحركات الدبلوماسية الإستراتيجية، عن حلفاء لها، ليس فقط في المنطقة وحدها، بل في العالم أجمع، حيث زادت الزيارات التي يقوم بها الرئيس الإيراني، أحمدي نجاد، في الفترة الأخيرة للدول الأفريقية ودول أمريكا اللاتينية، بهدف مزدوج يتمثل في فتح قنوات اقتصادية بديلة (يمكن أن تكون بمثابة الدرع التي تحمي إيران من العقوبات التي يسعى الغرب لفرضها عليها)، والحصول على الدعم الدبلوماسي لطموحاتها النووية.

وفي العام الماضي، وفقًا لجريدة الإيكونوميست، أجرت إيران ما لا يقل عن 20 زيارة على المستوى الوزاري فما فوق للبلدان الأفريقية. وفي نفس الوقت الذي سعت فيه لتعزيز العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع البلدان ذات الأغلبية المسلمة مثل السنغال والسودان، بذلت الكثير من الوقت والجهد في محاولة تعزيز علاقتها بنيجيريا وأوغندا، على سبيل المثال، وكلتاهما حاليا أعضاء غير دائمين في مجلس الأمن الدولي. وقد نجح أحمدي نجاد، من خلال الزيارة التي قام بها لأمريكا اللاتينية في نوفمبر/تشرين ثان الماضي، من عام 2009، في تعزيز علاقات إيران ببوليفيا ونيكاراجوا وفنزويلا، عن طريق استغلال المشاعر المعادية لأمريكا. كما يبدو أن زيارته للبرازيل، في الفترة نفسها، قد بدأت تعطي الثمار الدبلوماسية المرجوة منها في الوقت الراهن. وبالإضافة إلى ذلك، فقد نجحت طهران في اجتذاب الصين في السنوات الماضية، من خلال إمدادها بكميات هائلة من النفط. ووفقًا لإحصائيات شبكة quot;سي إن إنquot; الإخبارية، يشكل النفط الإيراني 15 ٪ من واردات الصين من النفط. ومن ثم فلا عجب أن أصبحت بكين أكثر أعضاء مجلس الأمن الدولي ترددًا في فرض عقوبات على طهران. كما أصبح القادة الإيرانيون موجودين بانتظام في معظم مؤتمرات القمة الدولية المهمة، حيث كان وزير الخارجية الإيراني، منوشهر متقي، في الآونة الأخيرة، موجودًا، مع غيره من الساسة الكبار في العالم، في المنتدى الاقتصادي العالمي، الذي عقد في دافوس في يناير/كانون ثان، من عام 2010. كما قَبِل أحمدي نجاد بسرور الدعوة لإلقاء محاضرة في جامعة كولومبيا في نيويورك، في عام 2007.

ثالثًا، عندما تمت ممارسة ضغوط ملموسة ومستدامة متعددة الأطراف على إيران، من خلال عقوبات وقرارات الأمم المتحدة، فإن إيران أظهرت أنها على استعداد للدخول في اتفاقات تحد من قدرتها على النمو، حيث استجابت إيران للضغط الدولي المتزايد في أكتوبر الماضي، ووافقت على شحن جزء من مخزونها من اليورانيوم إلى روسيا لتحويله إلى وقود نووي سلمي. كما أظهرت طهران، في مناسبات متعددة، استجابة لطلبات التفتيش المقدمة من الوكالة الدولية للطاقة الذرية. ويبدو أن إيران قد أوقفت برنامجها النووي لفترة غير محددة من الوقت في عام 2003.

وأوضح تقرير صدر عن الاستخبارات الوطنية الأمريكية في عام 2007، وهو وثيقة تمثل الرأي الجماعي لكل وكالات الاستخبارات الأمريكية الست عشرة - أن إيران أوقفت برنامجها لتخصيب اليورانيوم في ذلك الوقت quot;استجابة، في المقام الأول، للتدقيق والضغوط الدولية المتزايدةquot;. ويخلص التقرير إلى أن إيران ليست دولة مارقة ومتهورة، بل إن قرارات طهران على العكس من ذلك quot;مبنية على حسابات المكسب والخسارة، وليست مندفعة بشكل أعمى وراء الحصول على سلاح نووي بغض النظر عن حجم الخسائر السياسية والاقتصادية والعسكريةquot;.

وتدرك واشنطن وبكين وتل أبيب وموسكو وطهران، تمام الإدراك، أن الخيار العسكري غير مستساغ، وأنه لا يحمل أي ضمانات بالنجاح. ولكن هذا لا يعني أن المجتمع الدولي يجب عليه أن يتقبّل فكرة وجود دولة مثل إيران تمتلك السلاح النووي في قلب واحدة من أكثر المناطق اضطرابًا في العالم. فثمة بديل يبدو ممكنًا عندما نبحث عن كثب في السلوك الإيراني على مر السنين.

فتردد طهران في الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي، وجهدها الدءوب في تعزيز علاقاتها مع بقية دول العالم، واستعدادها لتغيير اتجاهها عند اشتداد الضغوط الدولية، كل هذا يكشف عن خوف إيران من العزلة الدبلوماسية. فالعقوبات الغربية الأحادية الجانب، مهما كانت محددة، لن تكون كافية للضغط على إيران، طالما ظلت إيران محتفظة بعلاقاتها الاقتصادية والدبلوماسية القوية مع الشرق والجنوب. فنجاح الجولة الرابعة من العقوبات يعتمد على تكوين تحالف قوي مناهض للانتشار النووي، مكون من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا والصين، قادر على ممارسة ضغوط سياسية واقتصادية متعددة الأطراف على طهران. وذلك سوف يرسل رسالة مفادها؛ أن التكنولوجيا النووية لن يكون من شأنها إعطاء إيران أي مكانة متميزة لدى المجتمع الدولي، ولكنها على العكس من ذلك ستؤدي إلى دفع إيران في طريق العزلة السياسية، بالإضافة إلى فرض المزيد من العقوبات عليها، وهو ثمن باهظ قد لا يكون الإيرانيون على استعداد لدفعه.