غازي العريضي

النتائج التي آلت إليها النقاشات في المجلس النيابي اللبناني حول الحقوق المدنية للفلسطينيين quot;اللاجئينquot; في لبنان كانت سلبية بل خطيرة.

ويبدو أن هذه النقاشات أعادت تظهير الانقسام السياسي، مما يمكِّن القول الطائفي، وللأسف حول الموضوع الفلسطيني أو الوجود الفلسطيني في البلد. اصطف المسيحيون في مكان وكان المسلمون في مكان آخر.

المشهد هو ذاته ما قبل عام 1975، لكن الوقائع والمعطيات تغيرت، ومع ذلك لم يتغير موقف بعض القوى.

قبل هذا العام كان ينظر إلى الفلسطيني على أساس أنه quot;العدوquot;، ولا شك أن الفلسطينيين ارتكبوا أخطاء بحق اللبنانيين، ولم يكن ممكناً أن تمر دون أن تترك انعكاسات سلبية أدت بشكل آو بأخر إلى الحرب، لكن الوضع اليوم مختلف.

الفلسطينيون ضد التوطين، وإذا كان بعضهم يرى في زمن معين أن بعض قياداتهم تريد التوطين فهذه القيادات لم تعد موجودة. بل تغيرت المعادلات على الساحة الفلسطينية لمصلحة قوى ينظر إليها أنها مقاومة حقيقية ضد الاحتلال الإسرائيلي. وهي تقاتله على أرضها، ولا تنطلق من لبنان لتحرر أرضها، بل سينطلق لبنانيون من الداخل اللبناني، وفي البحر لفك الحصار عن فلسطينيي غزة وتحرير لقمة عيشهم.

وإذا كان ثمة خطرٌ من بعض الحالات الفلسطينية في المخيمات، التي تسمى حالات تطرف أو إرهاب، فليس ثمة انقسام حولها بين اللبنانيين، بل على العكس من ذلك، كل البيئات السياسية اللبنانية تقف موقفاً واحداً من هذا الأمر. وخير دليل على ذلك أو على التطور الاستثنائي ما جرى في مخيم quot;نهر الباردquot; منذ أعوام.

وتجدر الإشارة إلى أنه قبل عام 1975كان ينظر إلى المقاومة الفلسطينية إنها جيش المسلمين أو جيش السُنة تحديداً. في quot;نهر الباردquot; كان موقف قادة السُنّة وعلى رأسهم رئيس الحكومة الحالي سعد الحريري ومعه ومن ورائه أبناء الشمال ولبنان عموماً ضد الاعتداء على الجيش اللبناني، وكان قتال شرس، لكن الجيش استطاع حسمه باحتضان أبناء المنطقة الشمالية ذات الغالبية السُنيّة. إذاً، الموقف اللبناني وطنياً هو ضد حالات التطرف في المخيمات، وضد التوطين ويتلاقى مع الموقف الفلسطيني الواحد. وبالتالي، ينبغي أن تكون الأجواء ملائمة لتعزيز وحدة الموقف ودرء الخطر. ولذلك لا يجوز عند مناقشة موضوع الحقوق الحديثة للشعب الفلسطيني في لبنان، وفي هذا التوقيت بالذات إن يتذرع البعض بأن المقصود هو التوطين وكأن ثمة فريقاً في لبنان يحرص على سيادة البلد وفريقاً يريد التفريط به. وفي هذا المعنى انفرط عقد 18 آذار وتكرس انفراط عقد 14 آذار الذي حصل منذ زمن طويل مع خروج الزعيم اللبناني وليد جنبلاط من هذه الحركة بعد أن حققت أهدافاً أساسية ودعوته إلى إعادة النظر في الاصطفافات خصوصاً بعد المصالحة التي تلت أحداث السابع من مايو عام 2008.

كان يجب دراسة الموضوع بتمعن وهدوء دون إثارة الغرائز والأحقاد ولبنان لا يحتمل المزيد منها.

وأيضاً كان يجب النظر إلى الموضوع من زاوية أن التحولات الجارية في البلاد سيتحول معها موضوع المخيمات إلى قنابل موقوته لا تعرف متى تنفجر خصوصاً وأن حالات فقر وعوز وإذلال يعيشها الفلسطينيون داخلها وخارجها، وثمة قرار إسرائيلي أميركي بإضعاف quot;الأونرواquot; بما يخدم المصلحة الإسرائيلية، ولذلك تحجب الأموال عنها ويزداد الوضع الفلسطيني خطورة وثمة من لا يريد أن يقرأ هذا الأمر، وبالتالي أن يسأل على الأقل: لماذا يحصل ما يحصل؟

وهل بمثل هذه السياسة سيعود الفلسطينيون إلى أرضهم؟ ألا يسمعون الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل تتحدثان عن عدم عودة اللاجئين؟ فهل يتهم لبنانيون بذلك؟ وهل يفرط بالموقف الوطني اللبناني الجامع حول هذه القضية، وبالموقف اللبناني الموحد حول quot;سفينة الحريةquot; التي اعتدت عليها إسرائيل وعلى متنها لبنانيون؟

لقد أصاب رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري عندما قال في مجلس النواب إن ثمة لبنانيين يذهبون من لبنان عبر البحر لفك الحصار عن غزة. غداً سوف يأتي ناشطون من كل الأمكنة لفك الحصار عن الفلسطينيين في المخيمات اللبنانية. هذا تعبير بالغ الدقة لتوصيف الحالة، وهو ينذر بخطر كبير على البلد إذا ما استمر الوضع على ما هو عليه.

ورغم حدة النقاشات، فإنه ينبغي التوقف عند كلام بعض الذين اعترضوا، فحصروا بعد الجلسة اعتراضهم على التوقيت والعجلة، وكأنهم يقولون إنهم لا يخالفون المبدأ. وهذا أمر جيد إذا كان أصحابه يريدون فعلاً التعامل بواقعية مع الأمر، وبالتالي فإن الباب مفتوح أمامهم لا سيما بعد أن أجّل رئيس المجلس النيابي النقاش إلى مدة لا تزيد عن الشهر تكون خلالها اللجان النيابية قد درست الأمر.

المهم في النهاية الوصول إلى نتيجة تسقط التعامل العنصري مع اللاجئ الفلسطيني على الأرض اللبنانية، وتعالج بعض مشاكله تحت قاعدة التوافق الدستوري على رفض التوطين.