عبدالعزيز علي السويد


النساء الإرهابيات صناعة فقه يكره الجمال والحياة، لقد جرى تنميط المرأة خلف الأبواب، ليسهل التحكم بها، بعد أن صنعها الفقه الأيدلوجي من الضعف والهامشية والخور والعطالة والبطالة، فقد صنعها الفقه المتطرف لتكون من أدوات الضغط والمزايدة في الدين عبر اللوبي الفقهي، بغية التحكم بالفضاء الاجتماعي، فقد افادت الإحصائيات أن 90 في المئة من النساء السعوديات اللاتي تم نصحهنّ عبر حملة السكينة قد تعاطفن مع الأفكار المنحرفة نتيجة تأثر عاطفي بحت، دون قناعات علمية أو شرعية عبر الإنترنت،. وليس جديدًا استخدام النساء من قبل فقه الإرهاب فقد استخدم جهيمان ابان احتلال الحرم المكي عام 1400هـ كادرًا مدربًا من النساء والأطفال، وكان جهيمان وأتباعه يستخدمون الجنائز على أنها للنساء ليستطيعوا إخفاء الأسلحة تحت الغطاء الحديدي، وقد وصف المشرف على كرسي الأمير نايف للأمن الفكري تنظيم القاعدة بأنه ميكافيلي، إذ إنه يبيح المحرمات لتنفيذ أعماله الإجرامية، فالغاية عندهم تبرر الوسيلة، موضحًا laquo;لا يستغرب من هذا التنظيم المفسد أن يستخدم أي أمر يصل به إلى أغراضه الخبيثة، فإخوانهم في بلد آخر أفتاهم جهلتهم بجواز استعمال الأطفال في عمر الزهور في عمليات انتحارية، بل استعملوا حتى النساء المعاقات عقليًّا لتنفيذ مثل تلك الأعمال الدنيئةraquo;. واتضح عبر فقه الإرهاب النسوي استغلال تنظيم القاعدة لقيم وأعراف المجتمع لصالح أهدافه، مستغلاً تدني الوعي الثقافي للمرأة بحيث يسهل اختراقها فكريًّا من خلال أسهل البوابات ولوجًا وهي بوابة التدين واستنهاض بعض القيم الدينية التي تخدم مصالح التنظيم كالشهادة في سبيل الله وطلبها وتمنيها وطاعة الأب أو الزوج من طاعة الله، وكما يؤكد أستاذ علم الاجتماع في جامعة الملك سعود الدكتور علي الخشيبان أن النساء الإرهابيات تعرضن لنفس المرحلة الصحوية التي أودت بكثير من الأفراد إلى الانحراف والتعاطف غير المدروس والمحسوب مع تنظيمات مثل القاعدة. لقد تم عبر مسارات التوعية النسوية صناعة فقه التجييش العاطفي في عملية التجنيد واستغلال قيم وأعراف المجتمع القائمة، وبانعدام استقلالية فكر المرأة لا سيما في الأوساط التي تعتبر المرأة جزءًا من أملاك الرجل، تدنى الوعي الثقافي للمرأة كذات مستقلة، واستغلال استراتيجية المصاهرة الجهادية من خلال قضية المحرم. هذا الفقه يُحل إرضاع الكبير، ويحرّم الخلوة بالطبيب في عيادته، يحرم قيادة المرأة للسيارة، ويحل لها قيادة تنظيم إرهابي، يحرم سفرها بدون محرم، ويحرم الاختلاط، لكن هذا الفقه لا يجد حرجًا في أن تتبنى المرأة عقيدة ضالة في الإرهاب، وجمع المال من أجل الفساد، والتغرير بالنساء، هذا الفقه، ليس مستوردًا ولا دخيلاً، ولا من الإسرائيليات، إنه من بطون كُتب التاريخ والسير والصحاح. أي فقه هذا الذي نبحث له عن معاذير وتبريرات، ونجيّر ما به من سوء وجاهلية ودموية، إلى فساد الاجتهاد والفهم والتفسير، لكننا لا نجرؤ على نبذه، والتخلص منه، وطمس معالمه، وإحلال فقه حضاري معاصر مدني، بدلاً عن هذا الفقه القاتل، هذا الفقه الذي أخضع المرأة للرجل، وقربها للنقص والجهل لتصبح لعبة رغبته وقوامته. فقه تعلمت منه هيلة القصير ومثيلاتها من الضالات المضلات، أن قتل الأبرياء جهاد، وترويع الآمنين سداد، وتمويل الإرهاب أجر وثواب، هذا الفقه الذي دخل بيوتنا رغم العباءة والحجاب، هذا الفقه الذي نسميه خصوصيتنا، ونحافظ عليه، على أنه من ثوابتنا، ونصرف على تعليمه لبراعمنا الصغيرات. فقه يحرم على المرأة لبس عباءة الكتف، ويحل لها لبس الأحزمة الناسفة. فقه يحرم عمل المرأة في الاسواق والمطاعم والوزارات، ويحرم كشف وجهها. فقه يحرم عليها الرياضة، ويحل لها التدريب على التخريب والتفجير، يحرم عليها حمل الزهور وتقديمها للمرضى، ويحل لها حمل الكلاشنكوف والمسدسات والرشاشات، فقه دوّنه التاريخ ولم يأتِ به الدين الحنيف، ومازلنا نحميه ونصادق على الشهادات العلمية فيه، فقه أوله مرويات ضعيفة، وأوسطه أحكام متشددة، وآخره تخريجات فاسدة، والنتيجة إرهاب يمشي على قدمين، ويتستر بالعفة والحياء النسوي. هذا الفقه لا يكفي -إذا وقع الفأس بالرأس- أن نقول لقد أخطأ وضل صاحبه وحامله، وباء بالخسران مَن أفتى به، فهذا الفقه يتناسل ويتكاثر ويؤلب بعضه بعضًا، ولازال محصنًا باسم الدين، وباسم القرآن، وباسم سنة سيد المرسلين، وباسم العلم الشرعي، هذا الفقه لا يعالج بالمناصحة الميسرة لوقف نتائجه المدمرة، فلازال يتغذى عليه كل من لديه /لديها الاستعداد والقبول الذهني والظرفي والاجتماعي والعائلي، وإن تلثم بالخجل والنقاب، فهيلة القصير إحدى ضحايا هذا الفقه، وربما هناك العشرات ممّن يحملن نفس القناعات والمسلّمات، لكن أقعدهن التردد والخوف، وإلاّ فهن جاهزات عقديًّا وقناعةً بأن أقصر الطرق إلى الجنة هي العمليات الانتحارية. هل يكفي القبض على الإرهابيات، ويظل الفقه الذي استقين منه روح المغامرة في سبيل الشيطان، يظل هذا الفقة حاضرًا ومؤثرًا في كراريس المحاضرات والفتاوى وبعض الأحكام التي تخص المرأة، وكُتب خصت النساء بالجهاد ليس الجهاد المدني والسلمي، في تربية الأولاد واقتصاديات الأسرة وتثقيف نفسها لجمالها وشخصيتها، بل جهاد في حمل السلاح، وصناعة المتفجرات، إن هذه المنابع هي المسؤولة عن تخريج الإرهابيات، وهي ليست للقراءة الحرة والهواية، بل هي فروض وواجبات في المدارس والدور العلمية، فلا يكفي أن نحاكم النتائج وننسى الأسباب والمقدمات، نقبض على الضحايا ويُفلت الفقه الجاني، حاكموا فقه الإرهاب أولاً، اعزلوه عن التأثير في عقول الناشئة، ودشنوا فقهًا إسلاميًّا تنويريًّا، وليس فقهًا تاريخيًّا من مأثورات الرجال، تم تدوينه في ظروف لا تمت لأحوالنا بصلة، ولا تتعلم منه نساؤنا إلاّ الكبت والحرمان والانتقاص من إنسانيتها وعقلها وأنوثتها وفطرتها، وللحقيقة ليس كل الفقه الديني السائد يحمل بصمات التطرف والتشدد الذي يؤول للإرهاب، لكن الخطر حين يُمزج الفقهان (فقه التسامح والحياة)، و(فقه التشدد والإرهاب) في منهج دراسي واحد، وقناة فضائية واحدة، وإجازة علمية واحدة، فلا يسع العقل الناشئ، القدرة على الاختيار الصحيح، لصحيح الحديث والأحكام.