علي حماده

جاء الرد على البطريرك الماروني الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير بالتحضير لمحاولة اغتيال خلال زيارته لزحلة، او الايحاء من خلال الانفجار في المدينة الصناعية ان عملية كانت موجهة ضده من مجموعات تنتمي الى فئة اسلامية معينة لتحويل الانظار عن المشكلة الحقيقية في البلاد التي تضع البطريرك وخلفه اوسع الفئات اللبنانية على نقيض مع مشروع الدويلة والجيش الموازي. هذا هو لبّ الازمة في لبنان، وبالمقارنة فإن كل ما عدا ذلك من مشاكل وتحديات يبقى هامشياً لكون مصير الكيان على المحكّ، ليس الا.
كان مفهوماً ان جوقة شتامين سوف تتولى الرد على مواقف البطريرك صفير التي اعاد فيها النقاش الى مكانه الصحيح وفق السؤال الآتي: مع السلاح خارج الشرعية او ضده؟
والآن لنعد الى قضية شائكة جرى طرحها الاسبوع الماضي وتسببت بأزمة تصريحات وسجالات ربما لم يكن لها اي مبرر. انها قضية حقوق اللاجئين الفلسطينيين في لبنان من خلال الاقتراحات التي تقدمت بها كتلة quot;اللقاء الديموقراطيquot; بشأن منحهم حقوقاً طال انتظارها لازالة الغبن التاريخي الذي لحق بها.
بداية، الاقتراحات الاربعة التي تقدم بها quot;اللقاء الديموقراطيquot; بصفة المعجل المكرر كانت ضرورية انما من دون ان تسبغ عليها تلك الصفة من اجل ان تقر بمادة وحيدة في نقاش متسرّع لا يفيها حقها. كان في الامكان تقديم اقتراحات القوانين بسرعة عادية غير متسرعة، وفي المقابل ما كان ضرورياً ان يستنفر المسيحيون من كل جانب العصبية العائدة الى مرحلة الحرب الاهلية، وتلك التي جرى حقنها طوال خمس عشرة سنة بين 1990 و2005 لتخويف المسيحيين اذا ما طالبوا بالاستقلال وعملوا له بجدية. اكثر من ذلك، فإن الخوف من التوطين ما عاد الخوف الوحيد المهيمن على الساحة اللبنانية. فالهواجس اكثر من ان تعدّ او تحصى، وخطر توطين الفلسطينيين لا يقارن بخطر التمدد الديموغرافي المسلح الحاصل راهناً في كل مكان، من البقاع الغربي الى اطراف الجبل، من اقليم الخروب الى اقاصي البترون مروراً بالغرب في قضاء عاليه وغيرها من المناطق التي تشهد شراء مساحات واسعة من الاراضي، غالباً بأسماء وهمية او مستعارة، ثم تشاد فوقها مجمعات سكنية ضخمة سرعان ما تتحوّل مع امتلائها بالساكنين الى قواعد شبه عسكرية منتشرة في قلب مناطق وعلى مداخلها ومفاصلها الاستراتيجية.
لا نقول هذا للتقليل من اهمية درس الملف الفلسطيني بشكل دقيق ومسؤول، فالتسرّع في فتح كل الابواب ولا سيما تلك المتعلقة بممارسة المهن الحرة او بالتملك من دون ضوابط ليس حلاً، وما حدث من تساجل حول الموضوع بعد سحب الاقتراحات خلال الجلسة التشريعية الاخيرة ليس ذا اهمية تذكر، وخصوصاً ان جميع الاطراف متوافقون على ان استمرار الوضع المعيشي والانساني الفلسطيني على ما هو لم يعد ممكناً، وانه صار اشبه بالقنبلة الموقوتة التي ستنفجر يوماً. من هنا اهمية تعجيل النقاش في الموضوع واعادة طرح الاقتراحات بعد تعديلها وفق الاقتراحات التي ستقدمها الكتل التي تحفظت عن الشكل اكثر مما تحفظت عن المضمون.
ان لبنان مدعو الى حسم البعد الانساني الفلسطيني في لبنان، ومن جهة اخرى فإن اللبنانيين مدعوون الى التفكير ملياً في ما يحصل في مختلف المناطق حيث التمدد المبرمج الممول الذي تعدّى منذ زمن بعيد البعد المدني المشروع، ليصبح تمدداً ديموغرافياً مسلحاً سيجعل من لبنان كله مسرحاً واحداً للحرب المقبلة بين اسرائيل وquot;حزب اللهquot;.