وليد نويهض

أعلن مسئول في الهلال الأحمر الإيراني أنه تم تأخير انطلاق سفينتي مساعدة إنسانية لفك الحصار عن قطاع غزة laquo;إلى أجل غير مسمىraquo;. ولم يذكر المسئول الأسباب التي دفعت إلى التراجع عن هذه المهمة الإنسانية. فهل هناك اعتبارات لوجستية أم جغرافية أم سياسية أو أن التراجع جاء تحسباً من تهديدات إسرائيلية أطلقتها حكومة تل أبيب ضد السفن الإنسانية المبحرة إلى غزة؟

عدم وضوح الجواب لا يعني غموض الأسباب. فالمسألة لابد أن تكون مرتبطة بمخاوف من أن تقع هجمات إسرائيلية على السفن كما حصل مع laquo;قافلة الحريةraquo; ومقتل 9 من أعضاء الوفد التركي. التراجع الإيراني يرتبط بالأمر السياسي وتفاعلاته العسكرية المحتملة في حال تعرضت السفن إلى هجوم أو حملة تفتيش واقتياد إلى ميناء أشدود ومصادرة البضاعة كما حصل مع القوافل السابقة.

التأخير laquo;إلى أجل غير مسمىraquo; يشكل في الإطار العام خطوة سياسية إلى الوراء بعد أن صدرت تصريحات واضحة من رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه إيهود باراك اعتبرت السفن الإنسانية حركة استفزازية تتقصد فتح جبهة بحرية في شرق المتوسط. واعتبار تل أبيب محاولة فك الحصار عن القطاع من الأعمال الحربية جاء أيضاً في سياق رسالة رفعتها مندوبة الحكومة الإسرائيلية في الأمم المتحدة إلى أعضاء مجلس الأمن والأمين العام للمنظمة الدولية هددت فيها الحكومة اللبنانية وحملتها مسئولية أي سفينة تبحر من بلاد الأرز إلى غزة.

التهديد الإسرائيلي للبنان أعاد فتح صفحة جديدة في ملف الحرب الموقوفة منذ العام 2006 وأثار مجدداً مخاوف بشأن عودة بلاد الأرز إلى وضعية الساحة المفتوحة على تجاذبات إقليمية ومنافسات سياسية لكسب تعاطف الشارع العربي بشأن مسألة إنسانية وبالضد من إصرار الاحتلال على استمرار الحصار وتجويع الشعب الفلسطيني.

الكرة الآن أصبحت في الملعب اللبناني بعد أن نجحت الفرق الإقليمية في تقاذفها من جهة إلى أخرى متجنبة المراقبة الدولية وصولاً إلى الصورة التي استقرت عليها اللعبة. كل الفرق انسحبت من المباراة وترك لبنان وحده يواجه المعركة الفاصلة ليكون له شرف الانتصار وربح الكأس الإنساني من جانب والمر من جانب آخر.

من جديد أصبح لبنان وحده في مواجهة الفريق الإسرائيلي على الملعب الإقليمي. والسبب يعود أساساً إلى ضعف الدولة وعدم مقدرتها على تشكيل قوة ذاتية تضبط إيقاع حركة الطوائف في إطار وطني مشترك يوحد السياسة في سياق يتناسب مع حدود الطاقة ومقدرتها على تحمل مهمات قومية كبرى تحتاج إلى تعاون عربي ndash; إسلامي حتى تكون مجتمعة في مستوى المسئولية الإنسانية.

فك الحصار عن غزة مسألة سياسية عربية ndash; إسلامية قبل أن تكون لبنانية. فالاحتلال والتجويع والمطاردة والاجتياح والاعتداء كلها عناصر سياسية وهي تحتاج إلى آليات لا شعارات ومزايدات ايديولوجية ومباريات كروية تتقاذف المسئولية وترمي بالكرة إلى خارج الملعب حين تبدأ الاستحقاقات وحسابات الخسائر. وهذه الصورة المخجلة أخذت بالارتسام في الخريطة الإقليمية إذ انسحبت الفرق من اللعبة وبقي على لبنان أن يقود منفرداً معركة فك الحصار والفوز بالكأس المر والإنساني مرة واحدة ومن دون شريك يتملك الشجاعة على خوض المواجهة معه.

حصول مواجهة عسكرية احتمال مستبعد في ظل الظروف الدولية والإقليمية الآنية ولكنه خطوة مطروحة على جدول أعمال الحكومة الإسرائيلية التي تعاني من حصار سياسي وضغوط دولية تطالب بفك الحصار البحري وفتح المعابر والمنافذ لكل السلع. وهذا الضغط حتى ينجح يحتاج إلى شبكة واسعة من القوى الإقليمية القادرة على تأمين الحماية للسفن في حال تعرضت للتفتيش أو المصادرة أو الهجوم، ولكن تل أبيب نجحت في منع التواصل الإقليمي وعزلت لبنان في دائرة المحاسبة الدولية.

احتمال قطع الطرق على السفن المبحرة من ميناء طرابلس اللبناني إلى قبرص ومنها إلى غزة أشارت إليه تل أبيب في تصريحات معلنة ورسائل موجهة إلى الدول الكبرى في مجلس الأمن. وهذه التهديدات نقلتها العواصم الأوروبية إلى بيروت ما يعني أنها صحيحة ويحتمل أن تكون جدية وتستخدم في حال أبحرت السفن متوجهة إلى غزة.

التهديدات أثارت مخاوف حصول مواجهة بحرية تستدرج ساحة لبنان إلى حرب، الأمر الذي دفع الحكومة إلى تدبيج رد دبلوماسي يشدد على أنه يلتزم القوانين الدولية باعتبار أن القانون الدولي لا يمنع السفن من حرية التنقل في حال كانت حمولتها لا تتعارض مع الممنوعات والمحرمات. إلا أن laquo;إسرائيلraquo; استبقت الجواب الدبلوماسي اللبناني بإثارة حملة إعلامية أشارت إلى أن السفينتين تابعتان لحزب الله وتحملان بضاعة يمكن استخدامها في أمور عسكرية. حزب الله رد على الحملة الإسرائيلية الإعلامية بإصدار بيان حاسم نفى علاقته بالسفينتين وكل السفن التي تنوي الإبحار لفك الحصار عن غزة. نفي حزب الله كما يبدو لم يقنع حكومة نتنياهو التي أصرت على موقفها وأكدت أنها ستمنع السفن من الوصول إلى غزة حتى لو اضطرت إلى استخدام القوة.

المسألة إذاً تحولت إلى معركة سياسية حامية كلامياً ولكنها في الآن مرشحة للتطور في حال قررت تل أبيب استثمار الموضوع واستخدام المساعدات الإنسانية مادة للحرب بقصد فك الحصار السياسي المضروب حول حكومة نتنياهو وخفض الضغوط الدولية عليها.

حتى الآن لم يعلن عن موعد انطلاق السفينتين من مرفأ طرابلس بعد أن وافق وزير الأشغال على إعطاء ترخيص للإبحار منه إلى قبرص بسبب عدم وجود خط بحري مباشر بين لبنان وlaquo;إسرائيلraquo; أو الأراضي الفلسطينية المحتلة. الموعد ليس بعيداً فهو يرجح أن يكون قبل غرة رمضان وربما قبل ذلك بأسابيع أي في الشهر الجاري أو المقبل.

حرارة الصيف بدأت بالارتفاع إذاً. يبقى السؤال هل تستقر الحرارة على مستوى معقول أم ترتفع إلى درجة الغليان؟ احتمال المواجهة مستبعد ولكنه خطوة مطروحة بعد أن نجحت laquo;إسرائيلraquo; في تحميل الحكومة اللبنانية المسئولية السياسية والقانونية والرسمية وتبعات ما يحصل من اشتباك في أعالي البحار. وجاء الإنذار الإسرائيلي ليترافق مع لحظة انسحبت خلالها كل الفرق الإقليمية من المباراة تاركة بلاد الأرز وحدها في الملعب تلاحق الكرة وتتخبط في اتخاذ القرار الذي يتكفل في تأمين الرد المطلوب لمواجهة تداعيات كسر الحصار عن غزة.