أحمد قاسم الغامدي


تحدث النائب الثاني وزير الداخلية الأمير نايف بن عبدالعزيز حديثا له أبعاده السامية والرفيعة، أظهر فيه سموه الحرص المعهود على شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد تضمن الحديث الكثير من المضامين التي جاءت بها الشريعة في هذه الشعيرة. فما أحوجنا أهل الحسبة مع مجتمعنا للرفق واللين والهدوء والتأني، إننا يجب أن نمتثل تلك المضامين واقعا وعلى وجه الحقيقة ابتغاء مرضاة الله أولا ثم طاعة لمن ولاه الله الأمر في هذه البلاد المباركة. إننا لا يمكن أن نكون محققين لتلك الوصايا إذا كنا نرددها فقط في اجتماعات ولقاءات وكلمات ثم لا نجد لها رصيدا واقعيا مقنعا في واقع عملنا اليومي في هذا الجهاز، فهي قطب رحى الإصلاح والمعالجة الصحيحة لما قد نقف عليه من أحوال المخالفات. فالرفق واللين من أهم وصايا التشريع على وجه العموم وعلى وجه الخصوص في جوانب الدعوة والتعليم والتربية والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. إن علينا أن نوقن أن الخطأ من لوازم البشرية وأن العنف والقسوة لا تزيد المخطئ إلا نفرة وعنادا حتى مع أقرب الناس منا، لقد جاء في كتاب الله وصح عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في هذا الباب ما يوجب علينا التشبث بهذه الخصال المحمودة العاقبة فالهدوء والتأني من أهم خصال أهل الحسبة لأن العجلة والاندفاع والطيش كثيرا ما تدفع إلى عواقب غير محمودة، فمهما كانت عواطفنا نحو الخير وغيرتنا على الحرمات مطلوبة إلا أن ذلك لا يعني تسويغ التسرع والاندفاع والطيش خصوصا فيما يتعلق بجانب الحسبة لأنها تمس سمعة الآخرين وحقوقهم المعتبرة في الشرع، ولذلك نهينا عن اتباع الظن ونهينا عن التجسس ونهينا عن تتبع عورات المسلمين وأمرنا بالتثبت والتبين ذلك هو هدي الإسلام، فهل تعرف كل فرد منا كيف يجب أن يكون مع من يجده مخالفا، هل حاول أن يكون رفيقا لينا متأنيا، هذا مايجب أن نحرص عليه.
إن تعقل الأمور وبعد النظر وسعة الأفق من المطالب المهمة للمصلحين، وقد لفت سموه الكريم في حديثه النظر إلى ذلك لما لتلك الصفات المهمة في أهل الحسبة بالذات لأنه لاينبغي لمن ولي شيئا من هذه الأعمال ارتجال العمل فيها أو ضيق الأفق في التعاطي معها لما لإجراءات أهل الحسبة من أبعاد قد تؤول بالضرر من حيث يريد المحتسب النفع بسبب الارتجال وضيق الأفق في مآلات تلك الإجراءات، وحينذاك سيقع الضرر على من نريد نفعه من أبناء مجتمعنا وسيتتابع ذلك الضرر من حين إلى آخر حتى يصبح رصيده ضررا على هذه الشعيرة المباركة وعلى سمعتها وسمعة القائمين عليها وبالتالي سمعة هذه البلاد التي لم تأل جهدا في سبيل النهوض بواجب الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
إن تحقيق الأمن والأمان للمجتمع نتيجة حتمية إن عملنا بهدي الشريعة في كل الجوانب في الأرواح والعقول والأبدان والأموال والأعراض، وأهل الحسبة عليهم جانب كبير من الواجبات التي لا يسوغ معها التهاون في التشبث بأحكام التشريع تلك فالقيام بها بتوازن واعتدال أمر لازم.
يروى عن معاوية (رضي الله عنه) قوله: laquo;لو لم يكن بيني وبين الناس إلا شعرة لما قطعتها، إن جذبوها أرخيتها وإن أرخوها جذبتهاraquo;. وسئل أحد السلف من هو الفقيه، قال الفقيه laquo;من لم يقنط الناس من رحمة الله ولم يؤمنهم من مكر اللهraquo;.
إن علينا أن نوطن أنفسنا على أن نعمل في كل الظروف وأن نكون قادرين على التحمل لأننا أصحاب رسالة وعلينا من المسؤولية ما ليس على غيرنا فيما نقوم به من عمل ولو تأملنا سيرة المصطفى (صلى الله عليه وسلم) لتبين لنا كيف عمل عليه السلام في حال الضعف وفي حال القوة، في حال العسر وفي حال العسر، في حال الأمن والطمأنينة، وفي حال الخوف والفتنة، إن ديننا دين صالح ومصلح في كل الأحوال وإن لم نكن أهل يقين بوعد الله ونصره إذا نصرناه وأهل صبر على البلاء والابتلاء كما أمرنا فكيف نرجو العاقبة والفوز والنجاة.
لقد أشار سموه بدقة إلى أهمية الحوار المثمر والتعاطي مع مختلف وسائل الإعلام لأن الحق لابد له من ذلك فلا يصل إلا بالحوار المثمر ولن نصل به للآخرين إلا عبر بلاغ بين من الله على العباد بوسائل إعلامية شتى لإيصال رسالة الحق، والدعوة إليه عبرها مطلب مهم، والإعلام وسيلة الأنبياء، والخلق تملكهم الكلمة الطيبة الصادقة والحوار المثمر بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن، لا العنف والشدة والتسلط والتجهم والعزلة والتجافي وتقاذف الاتهامات والغلظة. إننا حقا إذا أردنا تصحيح ما لدينا من خلل يجب علينا أن نتعرف مواطنه ونعترف به أولا حتى نستطيع التصحيح.
وقد كانت الإشارة إلى أهمية دور الجامعات في نشر هذه الشعيرة وإلى ما يجب أن تحققه الكراسي البحثية في جامعات المملكة واقعا لأن العلم إذا لم يكن له ثمرة في الواقع لم تتحقق الغاية منه، لأن العلم قائد العمل، والأسوأ من ذلك إذا أسس على مقاييس مخالفة قد تخلق في واقعنا من الإشكالات ما يزيده خللا وبعدا عن إيجاد الحلول الصحيحة للواقع الذي نعيشه ويزيد الدارسين والمهتمين ابتعادا عن المنهج المعتدل الوسطي السوي، والواجب أن تقر مناهجه وخططه والقائمين عليه بما يدفع بالباحثين والدارسين للتمسك بوسطية الإسلام ومنهج السلف الصالح ويحيي العمل بالكتاب والسنة الصحيحة بعيدا عن مناهج أهل الانحراف.
إن حديث سموه الكريم كان حديثا موجز اللفظ ولكنه واسع المعنى، ونحن بأمس الحاجة للعمل بإرشادات سموه التي تتسم دوما بالحكمة والمعرفة والاطلاع وحسن البصر والبصيرة وما يتحلى به سموه من الفراسة الثاقبة وبعد النظر والخبرة الطويلة والحنكة الإدارية والسياسية، يجعلنا نقف لزوما عند كل كلمة قالها موقف المتعرف لأبعادها ومقاصدها والعمل بها. إننا في ظل هؤلاء العظماء من الرجال حقا لا نملك لهم إلا الدعاء بالنصر والتمكين متضرعين لله شكرا على ما من به على هذه البلاد من قادة حكماء يحكمون شريعة الإسلام ويعملون بها صابرين مخلصين واثقين بربهم ثم بالمخلصين الصادقين من أبناء وبنات هذا الوطن.
أسأل الله تعالى أن يوفق قادتنا ومجتمعنا جميعا لكل خير.