لندن ndash; رانيا كرم
يتواصل laquo;النزفraquo; الذي تعاني منه وسائل الإعلام البريطانية بسبب التداعيات المستمرة للأزمة الاقتصادية العالمية. وفي وقت أعلنت وسائل إعلامية تكبدها خسائر مالية ضخمة، لجأت مؤسسات أخرى إلى تسريح مئات الموظفين، فيما تستعد أخرى لخوض مجازفة تحويل موقعها الإخباري على شبكة الانترنت إلى موقع لا يسمح بتصفح مواده سوى لقاء بدل مالي.
المفاجأة الأكبر في شأن laquo;النزيفraquo; المتواصل للإعلام البريطاني صدرت عن مؤسسة laquo;ترينيتي غروبraquo; التي تُصدر صحف laquo;دايلي ميرورraquo; و laquo;صنداي ميرورraquo; و laquo;ذا بيبولraquo;، إذ أعلنت تسريح نحو 200 من موظفيها بينهم ما لا يقل عن 140 صحافياً متفرغاً بدوام كامل، وهو رقم ضخم جداً، مقارنة بالعدد الإجمالي للإعلاميين فيها.
وربطت مؤسسة laquo;ترينيتي ميرورraquo; بين قرارها الاستغناء عن 200 صحافي في laquo;دايلي ميرورraquo; و laquo;صنداي ميرورraquo; و laquo;ذا بيبولraquo; وبين إعلانها إنشاء laquo;غرفة أخبار متعددة الوسائط الإعلاميةraquo; مرتبطة مباشرة بالنظام الإخباري على شبكة الانترنت laquo;ContentWatchraquo;.
و30 في المئة من الـ 200 شخص الذين سيُستغنى عنهم موظفون غير مثبتين أو بدوام جزئي، ما يعني أن 140 موظفاً بدوام كامل سيتم الاستغناء عن خدماتهم. وبما أن عدد الموظفين جميعاً في صحف laquo;ترينيتيraquo; الثلاث يبلغ 554 شخصاً، فإن الخفض في عدد الموظفين الصحافيين سيبلغ أكثر من 25 في المئة من مجموع الإعلاميين في صحيفتي laquo;الميرورraquo; (اليومية والأحد) و laquo;ذا بيبولraquo;.
وهذا التسريح هو الأوسع بين وسائل الإعلام البريطانية التي تقوم كلها بخطوات من هذا النوع، ولكن ليس بحجم خطوة laquo;ترينيتيraquo;. وستلغى وظائف لمراسلين وكتّاب ومصوّرين ومحررين ورؤساء أقسام. وقالت laquo;ترينيتيraquo; في بيان إن هذه الاقتطاعات في عدد الموظفين باتت ممكنة بعد laquo;التطبيق الناجح لنظام كونتنت ووتشraquo; الذي سيتيح انخراط الصحف الثلاث في laquo;المستقبل الرقميraquo; (ديجيتال). وشدد البيان على أن الصحف الثلاث ستحافظ على قيمتها وصدقيتها و laquo;هويتها الفريدةraquo;، وأن كل صحيفة سيبقى على رأسها رئيس تحرير. لكن يبدو أنه ستدمج أقسام مثل قسمي الأخبار والتحقيقات، فيما سيُطلب من المحررين الرياضيين إعداد تقارير للمطبوعات الثلاث. كما سيُدمج قسمي الصحافة المطبوعة مع الصحافة الرقمية (ديجيتال).
وعقد رؤساء تحرير الصحف الثلاث ndash; ريتشارد والاس في laquo;دايلي ميرورraquo; وتينا ويفر في laquo;صنداي ميرورraquo; ولويد إيمبلي في laquo;ذا بيبولraquo; ndash; اجتماعاً عاماً لموظفيهم لإبلاغهم بقرار خفض عدد الموظفين والتغييرات التي سيُلجأ إليها.
وتبيع laquo;دايلي ميرورraquo; مليوناً و238 ألف نسخة يومياً، بتراجع قدره 8 في المئة عن العام الماضي. أما laquo;صنداي ميرورraquo; فتوزع 1.136 مليون نسخة يومياً، بتراجع 7 في المئة عن العام الماضي. لكن التراجع الأكبر سجّلته laquo;ذا بيبولraquo; وبلغ 9 في المئة، ويبلغ توزيعها 553 ألف نسخة فقط.
في غضون ذلك، تواصل صحيفة laquo;تايمزraquo; إعلاناتها على موقعها على شبكة الانترنت، داعية قراءها إلى تسجيل اشتراكاتهم فيها ليتمكنوا من تصفح موادها التي ستتحوّل هذا الشهر من مجانية إلى مدفوعة الثمن. ولم تعلن الصحيفة بعد عدد القراء أو المتصفحين الذين سجّلوا أسماءهم، ما يجعل من الصعب تحديد مدى النجاح أو الفشل الذي يمكن أن تواجهه خطوة الصحيفة. ومكمن الخطر الأكبر هو أن القراء والمتصفحين قد لا يجدون أنفسهم مضطرين إلى دفع بدل مالي، ولو كان رمزياً، لقاء تصفح موقع laquo;تايمزraquo; ما دامت المواد الإعلامية ذاتها تقريباً متوافرة مجاناً في مواقع إعلامية بريطانية أخرى.
وسجّلت صحيفة التايمزraquo; تراجعاً ضخماً في عدد توزيعها بلغ 14 في المئة عن العام الماضي. إذ أظهرت أرقام التوزيع الرسمية لشهر نيسان (أبريل) الماضي أن laquo;تايمزraquo; وزّعت 506 آلاف نسخة مقارنة بـ 590 ألف نسخة في نيسان العام الماضي.
وسجّلت صحيفة laquo;غارديانraquo; بدورها تراجعاً مماثلاً، إذ باتت اليوم توزع 288 ألف نسخة يومياً (احصاءات نيسان) بعدما كانت توزّع 343 ألف نسخة في الشهر ذاته من عام 2009. وبذلك تبلغ نسبة تراجعها 15 في المئة عن العام الماضي. وجاء هذا التراجع في وقت أعلنت laquo;مجموعة غارديان الإعلاميةraquo;، صاحبة يومية laquo;غارديانraquo; العريقة، أنها تكبّدت خسائر قدرها 171 مليون جنيه إسترليني (الجنيه يساوي 1.44 دولار) خلال العام الماضي. وخسائر laquo;غارديانraquo; للسنة المالية 2009 ndash; 2010 أعلى بكثير من خسائر السنة المالية السابقة، إذ ارتفعت من 96.7 مليون جنيه إلى 171 مليون جنيه. وتبدأ السنة المالية في بريطانيا في أول نيسان من كل عام وتنتهي في آخر آذار (مارس).
وأعلنت laquo;غارديانraquo; خسائرها الجديدة قبل أيام فقط (حزيران/يونيو الجاري)، لكنها أشارت إلى أنها ناتجة أساساً من شطب استثمارات عائدة لـ laquo;مجموعة غارديان الإعلاميةraquo; في مؤسسة laquo;إيمابraquo; (Emap) الإعلامية بقيمة 96.5 مليون جنيه واستثمارات أخرى بقيمة 63.9 مليون جنيه في إذاعة laquo;غارديانraquo;. لكن laquo;مجموعة غارديانraquo; أقرت في المقابل بأن دخل مؤسساتها الخاصة كلها (جريدة laquo;غارديانraquo; وشقيقتها الأسبوعية laquo;الأوبزرفرraquo; والموقع الإلكتروني laquo;غارديان دوت كو دوت يو كيهraquo;) تراجع من 310.9 مليون جنيه في العام 2008 ndash; 2009 إلى 280 مليون جنيه في 2009 ndash; 2010، فيما تراجع دخلها مع المؤسسات الأخرى التي لديها شراكة معها (joint ventures) مثل laquo;تريدر ميديا غروبraquo; و laquo;إيمابraquo;، من 543.4 مليون جنيه إلى 476.2 مليون جنيه.
وتكبدت laquo;غارديانraquo; خسائرها الجديدة على رغم توفيرها 26.2 مليون جنيه إسترليني نتيجة قيامها بإعادة هيكلة وإلغاء 203 وظائف، بينها الفصل الطوعي من العمل لموظفين في أقسام التحرير وإلغاء وظائف في أماكن أخرى.
وقالت رئيسة laquo;مؤسسة غارديانraquo; أميليا فاوست: laquo;تبقى مؤسسة الغارديان الإعلامية في موقع جيّد بالنسبة إلى مصادرها الإجمالية وصحتها المالية في شكل عام، وهي قامت بأداء مقبول في سنة من أصعب السنواتraquo;. ولفتت إلى أن معظم الخسائر ليست نقدية، بل هي عبارة عن تعديلات في الأصول غير النقدية، قائلة: laquo;على رغم الجيشان المتواصل الذي يهز قطاع الصناعة الإبداعية، فإن مجموع الرصيد النقدي وصندوق الاستثمار لمؤسسة الغارديان الإعلامية لم يتراجع سوى أقل من ثلاثة في المئةraquo;.
أما كارولاين ماكول، الرئيسة التنفيذية لـ laquo;مؤسسة الغارديان الإعلاميةraquo; (ستترك عملها لتعمل في شركة طيران)، فلفتت بدورها إلى أن laquo;عمليات التوفير الكبيرة التي نُفّذت خلال السنة (الماضية) أدت إلى خفض الخسائر التشغيليةraquo;. لكنها أضافت: laquo;صناعة الإعلام تستمر تواجه حال عدم يقين (في المستقبل). لكن على رغم ذلك، فإن مؤسسة الغارديان الإعلامية يمكنها أن تنظر إلى المستقبل بتفاؤل حذر، وبثقة في مستقبل الغارديانraquo;.
التعليقات