علي بن حمد الخشيبان


نعم بالإمكان زرع الديمقراطية هناك ولكن يبدو أن الكثير من الخطوات يجب أن تتخذ قبل الإقدام على هذه الخطوة ولست أعلم لماذا ينسى الأمريكان تجربتهم في فيتنام ، والحقيقة أن الأمريكان اليوم في أفغانستان يذكروننا بفريقهم لكرة القدم الذي يلعب في جنوب أفريقيا يندفع حتى يعتقد لاعبوه أنهم وحدهم في الملعب

بين عاميْ 1839 و 1919 خاضت بريطانيا ثلاث حروب في أفغانستان وجميعها خرج البريطانيون منها بتجربة قاسية، كما أن تجربة السوفيات في أفغانستان ذاقت نفس الألم وهاهو العالم بما فيه أمريكا يقف حائرا أمام أفغانستان التي ستقود العالم إلى أزمات يصعب التنبؤ بها.

كتب ديفيد ملباند في مجلة The New York book review في إصدارها لشهر ابريل من العام 2010 م ، حيث قال إن تجربة البريطانيين والسوفيات المريرة في أفغانستان كشفت لكلا الطرفين عن أن أفضل وسيلة لصناعة الاستقرار في أفغانستان يتمثل في تمكين الأفغان أنفسهم لإدارة دولتهم.

هذا الاستنتاج صحيح ولكن السؤال هو ..كيف؟ ، فقد كانت تجارب البريطانيين والسوفيات وهم يحاربون في أفغانستان مؤلمة، وخرج السوفيات وخلفهم قتلى بالآلاف بل أصبح لكل بيت أفغاني قتيل تقريبا، لقد كان الأمريكان في السبعينيات الميلادية يدركون المأزق الذي وقع به السوفيات عندما قرروا غزو أفغانستان ويدركون النتائج التي ستصل إليها الأمور. ولو أن أمريكا هي احد جيران أفغانستان لتوقعت لها نفس النهاية التي حلت بغريمها الأكبر الاتحاد السوفياتي الذي لم يعد موجودا اليوم. أفغانستان اليوم هي معقل الإرهاب وفيها أعظم منظمة إرهابية تمارس العنف والقتل والتدمير دون هوادة لو أتيح لها فرصة ولو بحجم عملة معدنية، مسؤولية الأمريكان اليوم ليست مرتبطة بحرب داخلية مع أطراف متحاربة على السلطة في أفغانستان يمكن أن تتخلى عنهم ليعيشوا حربا أهلية كما في معظم البلدان التي مرت بنفس التجربة إلى أن تنهك الحرب قواهم فيعودوا إلى طاولة المحاورات.

الأمريكان موجودون في أفغانستان لضمان أمنهم الدولي والداخلي بل وأمن العالم الذي يحارب الإرهاب من خطر المنظمات الإرهابية التي تتخذ من أفغانستان مركزا لها، فلا زالت قيادات القاعدة تتواجد في تلك الدولة ولازالت طالبان تحارب من اجل استعادة سلطتها على أفغانستان التي حصلت عليها في العام 1994 م وتم إقصاؤها منها بعد أحداث سبتمبر.

لقد دخلت أمريكا إلى هذه الدولة وساهمت في حماية نفسها والعالم من خطر القاعدة التي لو استمرت لكانت الأحداث الإرهابية تمارس في كل بقعة في العالم دون هوادة. السؤال الأهم كيف ستعالج أمريكا أزمتها بين تاريخ مخيف من مستنقع أفغانستان الذي مَن دخله يصعب عليه الخروج منه دون جروح غائرة بعضها مميت كما في حالة السوفيات ، وبين أمنها الداخلي وامن العالم المرتبط بتهديدات القاعدة..؟

بصراحة الموقف الأمريكي لا تحسد عليه إدارة الرئيس أوباما ذلك الرئيس الذي أعلن في وقت سابق انه سوف يرسل ثلاثين ألف جندي إلى أفغانستان ووعد في ذات الإعلان أن الولايات المتحدة سوف تبدأ بالانسحاب بعد ثمانية عشر شهرا من ذلك التاريخ.

في الخامس عشر من شهر (مايو) من العام 2009 م استقبل الرئيس أوباما قائده المعزول في أفغانستان (ماكريستال ) وبعد مرور أكثر من عام وتحديدا يوم الأربعاء الماضي يستقبل الرئيس أوباما (ماكريستال) ليعلن بعد لقائهما عزل الأخير وتعيين الجنرال بيترايوس خلفا له بهدف تنفيذ سياسة الولايات المتحدة في أفغانستان كما جاء على لسان الرئيس أوباما.

السؤال الأهم بين هذين اللقاءين يقول ماذا حدث ولماذا يتم عزل (ماكريستال ) بهذه الطريقة النادرة على السياسة الأمريكية ، هل بدأت مؤشرات خطيرة في التراجع في ميدان أفغانستان..؟

أمريكا التي جلبت رئيسا منتخبا لأفغانستان عملت خلال السنوات الماضية على المساهمة في تنمية حقيقية للأفغان، يقول ديفيد ملباند في تقريره حول أفغانستان إنه في العام 2001 م لم يكن هناك سوى مليون طفل أفغاني يذهبون إلى المدارس كلهم من الأولاد وفي هذا العام 2010م من المتوقع أن يذهب سبعة ملايين طفل إلى المدارس ثلثهم من الطالبات، كما يشير في تقريره إلى أن كل ثمانية من عشرة أفغان أصبح لديهم المجال للعناية الصحية.

أفغانستان اليوم ليست خطرا على أمريكا وحدها هذه حقيقة يجب أن يعيها العالم الذي يحارب الإرهاب وخاصة لو تركت للقاعدة وطالبان وجيرانها المحيطين بل هي خطر على العالم اجمع.

قد تستطيع الولايات المتحدة حماية مصالحها بطرق مختلفة بعد خروجها من أفغانستان ولكن الكثير من الدول لن يكون لديها نفس القدرة على حماية نفسها من تنظيم القاعدة ، لذلك الوقوف من اجل استقرار أفغانستان مهمة عالمية بل إسلامية بالدرجة الأولى.

القاعدة لن تتوقف بخروج القوات الدولية من أفغانستان في محيط جغرافي محدود بل سوف تستمر في الانتشار من جديد كما فعلت في نهاية القرن الماضي لتنفذ اكبر عملية إرهابية في تاريخ العالم.

التطرف سوف يحكم أفغانستان لاعتبارات تاريخية وأيديولوجية إن خرج العالم منها دون إيجاد حلول جذرية..

مهمة أمريكا اليوم في أفغانستان تكمن في منع التطرف والإرهاب الذي يقوم به الإسلاميون المتشددون ضد العالم كله تحت غطاء تعاليم دينية تدعو إلى القتال والتدمير.

مهمة الأمريكان اليوم تبدو أصعب بكثير عما كانت عليه في العام 2001 م؛ فالمعادلة تتخذ انحرافا خطيرا فمستوى الدعم الدولي ليس واضحا بنفس الآلية التي كانت في السابق، الولايات المتحدة الأمريكية ارتكبت مجموعة من الأخطاء وكان أبرزها عدم الفهم الحقيقي لطبيعة المجتمع الأفغاني وكان على الأمريكان ترتيب أولويات أفغانستان الحقيقية بحيث لا تكون الديمقراطية هي المطلب رقم واحد، نعم بالإمكان زرع الديمقراطية هناك ولكن يبدو أن الكثير من الخطوات يجب أن تتخذ قبل الإقدام على هذه الخطوة ، ولست اعلم لماذا ينسى الأمريكان تجربتهم في فيتنام ، والحقيقة أن الأمريكان اليوم في أفغانستان يذكروننا بفريقهم لكرة القدم الذي يلعب في جنوب أفريقيا يندفع حتى يعتقد لاعبوه أنهم وحدهم في الملعب.

صحيح أن الأفغان أصابهم الملل من قتال دامٍ، ولازال يخيم عليهم منذ أكثر من ثلاثين عاما ولكن هذا لا يعني أبدا أنهم سيتركون كل شيء لمجرد أن يوجد من يهتم بهم أو يرسلهم إلى المدارس أو صناديق الاقتراع، التجربة المريرة التي خاضها الأفغان جعلتهم يفقدون الثقة في كل شيء سوى طالبان والقاعدة التي تعدهم بالنصر، لذلك فلن يضرهم إضافة سنة أو سنتين من الحروب بل حتى عشر سنوات.

أفغانستان إما أن تترك وتشعل فيها نيران الحرب الأهلية لتقضي على ما تبقى منها عبر تجزئتها وتمليكها بالقطعة ومن ثم يمتد ضررها بعيدا أو يدرك العالم أن واجبه تجاهها اكبر من ذلك.

ليس هناك إستراتيجية ناجحة في مهمة عسكرية سوى المزيد من القتل والضحايا مهما كان الحذر موجودا فقد تبني مدرسة في قرية تقتل الطائرات والقنابل أطفالها في المساء بالخطأ ، وقد تبني مستشفى ويواجه نفس المصير ، هناك إستراتيجية واحدة هي التي تنجح وهي إنهاء الحرب أو تركها تشتعل وتحرق نفسها.

الخطورة في أفغانستان تكمن في أصوات التشدد والعودة إلى نغمة الجهاد لو وجدت طالبان والقاعدة متنفسا ، الثقة في التطرف والمتطرفين خطأ كبير فقد تتدفق الأموال من جديد إلى أفغانستان وقد يعود تنظيم القاعدة والملا عمر للحديث مرة أخرى عن خلافة إسلامية ولكن ذلك كله سوف يكون على حساب الشعب الأفغاني المسكين

العالم اليوم يناقش قضية حلف الناتو والولايات المتحدة وفي منظوره ما يراه اليوم من تحديات بينما تغيب عنهم احتمالات المستقبل وعودة الإرهاب إلى دولهم ..

إن المواربة والتغاضي مع التطرف في العالم لن يتضرر منه سوى الدول الإسلامية أولا وقبل كل شيء فهي الهدف الأول لهذه المنظمات قبل غيرها، هكذا كتب تاريخ الإرهاب وهكذا أنتج.