سامي ناصر خليفة


الحديث عن مجلس الأمة وهو يمر في أسبوعه الأخير، ذو شجون ومرارة، إذ لا يمكن أن يكون أداء بعض النواب مقنعاً وقد مرّت البلاد بالكثير من الأمور التي أضاعت وقت السلطتين التشريعية والتنفيذية. وفي هذه الأيام الساخنة والمناخ المتشنج سياسياً وإعلامياً، يصعب وضع أسس سليمة لتقييم الأداء التشريعي للنواب، لأنه في نظري لم يكن المجلس يمثل إرادة الأغلبية في تحريكه ضمن جدول أعمال هادئ ومتزن وطموح، بل كان مختطفاً من قبل قلة أرادت تهديم العملية الديموقراطية في البلاد بأي ثمن كان، إلى درجة لم نعد ننشغل في المشاكل الحياتية التي يعانيها المواطن يومياً، بل في المشكلة الكبرى التي تتمثل في بعض النواب أنفسهم.
فالأحداث الساخنة التي مر بها مجلس الأمة طيلة الأشهر الماضية تدل على أن العقل عند هذا البعض من النواب قد غاب، وهوى النفس قد تجبر، والعصبية النتنة رائحتها فاحت وتجبرت إلى درجة انتشر ما يسمى بفقه الكراهية بين هذا البعض المريض من نواب المجلس وللأسف الشديد. إنها أزمة حقيقية تتمثل في عدم قدرة هذا البعض من النواب على الاندماج في المجتمع الكويتي والتأقلم مع تاريخه، وقد يكون السبب أنهم لم يعيشوا تاريخه، ولم يستسيغوا عبقات مراحله، ولم يتسلسلوا من جذور ماضيه، ليأتي السؤال الجوهري في هذه الظروف: إلى أين هم ذاهبون بالكويت وشعبها؟
هذا السؤال المبهم الذي يقلق أهل الكويت كثيراً، وهم يرون تارة من ينادي بأنه يسعى لحل البرلمان، وهناك من يبارك دعوات ضم الكويت إلى دول أخرى، وهناك من لا يضع قيمة إلا لفئة ينتمي إليها، أو شريحة مقربة له على حساب مصالح الكويت وأهلها، وهناك من يريد إلباس الكويت ثوباً عقدياً يتناسب وطبيعة تفكيره الضيقة، وهناك وهناك وهناك! وطبيعي أن يقلق أهل الكويت وهم يرون هذا التبجّح والتجرؤ على الأسس السيادية للبلد، ويشاهدون تلك العنتريات التي يتلون فيها النائب حسب ما تملي عليه شهواته التي يسعى إليها ويدور أينما دارت مصالحه الضيقة، بل لا يلام هذا المواطن البسيط وهو يعيش القلق، كل القلق، وهو يرى تجار سوق السياسة يهملونه في أيام الأداء النيابي ويتذكرونه فقط أيام المزاد الانتخابي.
تلك هي الأزمة الحقيقية التي تكمن في النقطة الحرجة، واللحظة الحاسمة التي يتحدَّد عندها مصير تطور البلاد والعباد في هذه الحقبة من الزمن، وعلى يد حفنة غير مدركة لخطورة مسارها التعسفي وكل همها توريم جيوبها والاستعداد للتحالف مع الشيطان ورمي البلاد في الهاوية من أجل ضمان نجاحها في الانتخابات المقبلة. بمعنى آخر أحسب أن أم المشاكل اليوم وجوهرها هو في النفس الأمارة بالسوء التي طغت على بعض النواب فجعلتهم أسرى لشهواتهم النفسية الخاصة، وتلك تحتاج إلى وقفة صادقة أمامها.
فأزمة مجلس الأمة ليست في آليات عمله فقط، وليست في طبيعة الحراك السياسي وميكنازم العمل هناك فقط، بل لابد أن نحدق في الناحية النفسية لبعض النواب، وما هي مصاديق تسمية هذا البعض ومحددات حركته وحدود مسؤولياته، هل هو مثل الحرية إن عرفت! أم هو سوء الظن الذي تجذر في شخوص هذا البعض ليصبح جزءاً من ثقافة المهنة، أم كلاهما معاً؟ وأياً كانت النتيجة، فالصورة الحاضرة أمام الناس للنائب باتت جداً مقززة، خاصة عندما ينزل مستوى الخطاب السياسي إلى السوقية وتجاوز الآداب العامة والسخرية والاستهزاء، والأدهى من ذلك أن يكون النائب من المتعالمين دينياً، ونزول مستوى التفاعل السياسي إلى الحضيض، وبصورة لا تتناسب وآداب السلوك الديموقراطي وقيمة الإنسان ودوره في المجتمع، فهناك تناقض كبير بين معنى الديموقراطية وقيمة الإنسان من جانب، وبين أداء هذا البعض من النواب من جانب آخر، والذي يتنافى ومقومات الديموقراطية الحقة.
لذا نقول ان أزمة النائب كمصطلح هي أزمة مجلس مهدّد منذ أعوام، هذه الأزمة لا تتعلق بالأفكار الحديثة والأشياء اللازمة لتحديث صالات المجلس، ولكنها تتعلق بالنائب الأزمة، الذي لا يمكن الحديث عنه إلا من خلال الناحية النفسية، حيث مجلس الأمة عانى ولا يزال يعاني من ضجات مفتعلة، وانحرافات ومزايدات خارجة عن حقوق النواب والقيم الإنسانية والحريات الفردية والاجتماعية. إنها باختصار أزمة نائب اختلطت عنده أبجديات العمل السياسي فلم يعد يفرق بين مصلحته الخاصة وبين مصالح الوطن والمواطن، لذا ترجم سلوكه تأجيجاً من خلال استجوابات واعتصامات واعتراضات لا لشيء سوى لإغراق البلاد في الفوضى. أما التنمية فإنها حلم نرجسي... /يتبع