يوسف الكويليت

الثقافة العربية بدأت بالعواصم الرئيسية القاهرة، بغداد، دمشق، وبيروت ، ثم جاءت دول المغرب بنشر آخر ينتمي، في معظمه، للغة الفرنسية، ثم، ولو كانت متأخرة، بدأت دول الخليج تتخذ نفس الاتجاه بالدراسات السياسية والاقتصاد، وإصدار المجلات والكتب وترجمة أخرى، وإنتاج برامج مختلفة، ونشاط سينمائي محدود..

المشكلة في دول المجلس أنها تجتهد، ولكن جهودها مبعثرة، فهي تعقد مؤتمرات ومناسبات، وتهتم بالنشر المتخصص للجامعات ودور الاقتصاد، لكنها في المجال العلمي شحيحة جداً، وفي نفس الوقت تتجه نشاطاتها إلى ما يتعلق بالثقافة الوطنية، رغم حداثتها، في حين غاب الطفل والشاب عن إيجاد الكتاب ووسيلته، وهو نقصٌ لم ينتبه له وزراء الثقافة والذين لا أعتقد أنهم اجتمعوا لوضع استراتيجية ثقافية، وهي القادرة مادياً في إنشاء مركز بإحدى هذه العواصم ثم تنتشر فروعه في أكثر من مكان..

مجلس التعاون يعين مختصين في عدة مجالات، لكن نشاطهم ينحصر في الأمور الرسمية فقط، ولو قدّر أن يأخذ الاهتمام إحدى فقرات مؤتمرات القمة عن الكتاب ، وعلى اعتبار أن مكافحة الأمية الثقافية، وسط اغتراب هائل نحو الثقافة الأجنبية، مسلسلاتها وأفلامها وبعض معارفها، سوف يؤدي تقلص المحلية العربية بتراثها وإثراء لغتها، لصالح الأجنبي، ونحن نعرف أن الدول المتقدمة التي تتسابق على نشر الكتب، سواء الورقية، أو الإلكترونية التي غالباً ما تترجم للغتها الأصلية، وحتى في الاتحاد الأوروبي متعدد اللغات، لاتوجد هيمنة ثقافية لأي بلد أو قراءة بلغة واحدة..

مصر سبقت الدول العربية بنشر الثقافة للجميع من خلال الهيئة العامة للكتاب أو غيرها، وحتى في الدول العربية الأخرى لا نجد المبالغة في سعر الكتاب مثل لبنان ودول الخليج ، وبالتالي إذا كانت الثقافة ضرورة وليست حاجة ترفيّة أو ثانوية، فإن الدول الخليجية مدعوة بوزاراتها ودور نشرها وهيئاتها المختلفة لأنْ تكون في طليعة من يقدم على تبني خطط طويلة للترجمة والنشر واعتبار الطفل القاعدة الأساسية لهذا الهدف، ولا أعتقد أن الكلفة ستكون كبيرة أو ليست بمتناول دول المجلس الغنية، ولعل الاضطلاع بمشروع كهذا سوف يجلب مختلف الاختصاصات ومؤلفيها ومترجميها من الدول العربية وغيرها، وبذلك نقدم خدمة مزدوجة للدول الأعضاء في المجلس والأمة العربية، ومن خلال هذه المؤسسة أو الدار أو أي مسمى يتم اختياره، سيشجع على التأليف والنشر إذا ما تكافأت المغريات المادية مع القيمة الثقافية، ولعل المؤلم ، مع الصورة الراهنة ، أن الاعتماد باللجوء إلى دور النشر العربية الخارجية، جاء هروباً من الرقابة والحصول على توزيع أكثر، رغم الاستغلال الجائر للمؤلف، وخاصة من الدول الخليجية، والرهان على كسب قارئ هذه المنطقة وجيبه..

لا يوجد خارج الدول المتخلفة من لديه أمية وقصور ثقافي مثل أمتنا والدليل أن عدد القراء لأشهر كتاب لا يتعدى الآلاف، وحصة كل فرد قد لا تتجاوز الآحاد من الكتب والمجلات والدوريات وغيرها، وهذا ما سبّب الانقياد السريع لأي تقليعة سياسية أو تطرف ديني أو ثقافة العرق المتفوق قبلياً وإقليمياً..