عبدالجليل زيد المرهون

هل هناك ضرورة لإنشاء قوة خليجية للتدخل السريع؟. وإذا كان الأمر كذلك، فما المواصفات المطلوبة لهذه القوة؟. وأي مهام يمكن أن تنهض بها؟.

مبدئياً، يجري إنشاء قوات التدخل السريع للتعامل مع الأزمات الطارئة، التي يصعب التفاعل معها وفق الوقت الاعتيادي، الذي يستغرقه تحرك الجيوش من ثكناتها، باتجاه مسرح العمليات. كما تترجم هذه القوات صورة من صور الدفاع المشترك، في حال تشكلت من قبل عدد من الدول.

أما مبرر إنشاء قوات التدخل السريع من عدمه، فيعود إلى طبيعة البيئة الأمنية للإقليم، إذا كانت مهام القوة المطلوبة إقليمية النطاق، ويعبر عن مضمون البيئة الأمنية أيضاً بمصطلح آخر هو البيئة الجيوبوليتيكية. ويشير هذا المفهوم إلى ماهية التفاعلات السائدة ضمن نطاق إقليم معين، أو مجموعة أقاليم، وما إذا كان يغلب عليها الطابع التعاوني أو الصراعي.

إن على دول المنطقة أن تتحرك باتجاه مشروع قوات التدخل السريع، على نحو فيه كثير من التأمل السياسي، والاحتراف المهني، والتحليل الواقعي للبيئة الأمنية والجيوسياسية السائدة.

على صعيد إقليم الخليج العربي، ثمة توترات ظاهرة وأخرى كامنة، في البناء التاريخي للإقليم، وفي علاقاته البينية. بل وداخل عدد من الدول الثماني المكونة له.

وقد شهد هذا الإقليم ثلاث حروب مدمرة، في الفترة بين العام 1980 ndash; 2003، دارت إحداهما بين اثنتين من دوله، على نحو مباشر، وهي الحرب العراقية الإيرانية.

وجرت الثانية إثر غزو إحدى دول الإقليم لدولة أخرى فيه. ونعني بذلك حرب الخليج الثانية.

أما الحرب الثالثة في الخليج، فكانت بين إحدى دول الإقليم، وهي العراق، وبين قوات دولية، قادتها الولايات المتحدة وبريطانيا، ونقصد بذلك حرب العام 2003. التي كانت أشبه بحرب من جانب واحد.

إضافة إلى ذلك، يشهد الإقليم توترات ناجمة عن قوى ما تحت الدولة. أو المجموعات غير النظامية، أو جماعات العنف المنظم.

هذا الإقليم، يحمل إذاً مبررات، لا غبار عليها، لتشكيل قوة تدخل سريع، للتعامل مع الأزمات الطارئة، التي لا يحتمل تركها بانتظار الحركة الاعتيادية للجيوش. أو التي تتبدى الحاجة إلى تحرك جماعي لا غنى عنه للتعامل معها.

وعلى الرغم من ذلك، فإن هذا الاستنتاج لا يقود، على نحو آلي، إلى الدعوة إلى تشكيل قوة تدخل سريع على مستوى دول الإقليم. ذلك أن مثل هذه القوة يلزمها بالضرورة قاعدة قانونية تتمثل في معاهدة دفاع مشترك. وهذه بدورها لا يمكن الوصول إليها دون أرضية سياسية. أو لنقل قدراً متيناً من التوافق السياسي.

فيما يرتبط بالأقطار الستة، المؤتلفة في مجلس التعاون لدول الخليج العربية، فإن المقدمات السياسية لتشكيل قوة تدخل سريع مشتركة، تبدو متوافرة. وهذا أمر مفهوم على أي حال.

أما على الصعيد القانوني، فإن هذه القوة تجد أرضيتها في معاهدة الدفاع المشترك، الموقعة بين دول المجلس، في العاصمة البحرينية المنامة، في 31 كانون الأول ديسمبر من العام 2000.

وكانت هذه الدول قد أقرت قبل ذلك في المنامة، في التاسع عشر من تشرين الثاني نوفمبر 1982، وثيقة إنشاء قوة درع الجزيرة، كقوة مشتركة بينها. وهو الأمر الذي تحقق في العام 1985.

ومن الناحية القانونية، فإن مجرد وجود هذه القوة المشتركة، يعتبر مظلة كافية لتشكيل قوات تدخل سريع، من جنود وضباط الدول الأعضاء.

وأياً يكن الأمر، فقد قررت أقطار مجلس التعاون لدول الخليج العربية رسمياً، في كانون الأول ديسمبر من العام 2009، تشكيل قوة مشتركة للتدخل السريع. وذلك بهدف التعامل مع الأزمات الطارئة، التي قد تتعرض لها الدول الأعضاء.

إن مشروع قوات التدخل السريع هذا، ربما يُمثل في جوهره نوعاً من تقاسم الأعباء بين دول المنطقة. وهو يشكل رداً ضمنياً على الفجوة القائمة بينها، على مستوى القدرات العسكرية واللوجستية والعملانية.

ما المطلوب عمله اليوم؟.

إن المطلوب بداية هو أن يلحظ مشروع تشكيل قوات التدخل السريع الخليجية شروط ومتطلبات النجاح، في حدود الإمكانات المتاحة. وأن يتدرج في سلم أهدافه، ويتحاشى وضع تصوّرات يصعب الوصول إليها، أو جداول زمنية عالية الطموح.

على الصعيد الإجرائي، يمكن تحديد عدد القوة المقترحة بعشرة آلاف جندي، يعملون بكامل إمكاناتهم وجاهزيتهم القتالية. وهذا الرقم يعتبر مناسباً، على صعيد مرحلي على الأقل. وذلك بلحاظ تعداد القوات القتالية التابعة لدرع الجزيرة، والبالغة نحو 21 ألف جندي. وكذلك بلحاظ الإمكانات المتفاوتة للدول الأعضاء. وأهمية وجود حد أدنى من التوازن النسبي على صعيد مساهماتها.

وثمة سبب أكثر أهمية، لاقتراح هذا الرقم، يرتبط بخصوصية الإعداد والتأهيل، المطلوب للقوات، لكي تكون قادرة على أداء مهام التدخل السريع.

وبطبيعة الحال، فإن رقماً دون العشرة آلاف سيبدو رقماً رمزياً وحسب.

وحتى تكون بكامل جاهزيتها القتالية، يُمكن أن تضم قوات التدخل السريع المقترحة لواءً من القوات البرية، إضافة إلى قوة بحرية مجوقلة، وأخرى برمائية وثالثة سطحية. وهذا فضلاً عن القوة الجوية. وتحتاج قوات التدخل السريع إلى وسائل نقل برية وبحرية وجوية. وإلى قدرات تكتيكية، كأجهزة جمع المعلومات، والمراقبة والاستطلاع والاتصالات، فضلاً عن الاحتياجات الميدانية، كالمستشفيات المتنقلة والمروحيات، ووسائل إخلاء الجرحى من أرض المعركة.

ويمكن تأمين هذه الاحتياجات لقوات التدخل السريع الخليجية من جيوش الدول الأعضاء، من دون الحاجة إلى فتح نافذة جديدة للإنفاق العسكري، الذي هو في الأصل كبيراً ومتضخماً في هذه المنطقة.

إن الجاهزية العملياتية لقوة الرد السريع المقترحة، يجب تأكيدها فقط بعد سلسلة من المناورات، التي تثبت فيها القوات وضعها. وبحيث تشارك في آخر مناورة كل من الوحدات البرية والبحرية والجوية.

كذلك، يمكن إرسال فرق من هذه القوات، في مراحل إعدادها، للعمل في مهام الإغاثة الإنسانية في عدد من المناطق، سواء داخل الوطن العربي أو خارجه. ويمكن أن يشمل ذلك فرق برية وجوية وبحرية، على فترات مختلفة، وفي ظروف جغرافية وبيئية متفاوتة.

بعد ذلك، يجب أن تكون القوة الجديدة قادرة على بدء الانتشار خلال أسبوع واحد. وأن تؤمّن احتياجاتها ذاتياً، خلال العمليات التي تستمر شهراً أو أكثر، في حال أعيد تجهيزها مرة أخرى.

على صعيد المهام العسكرية، يمكن أن تنهض قوة الانتشار السريع المقترحة بعمليات المراقبة والاستطلاع من الجو، وعمليات النقل الجوي، والعمليات البحرية، والإسناد ودعم خدمات المحاربين، وتعطيل دفاعات العدو الجوية. وهذا فضلاً عن الاشتباك المباشر متى دعت الضرورة.

وعلاوة على ذلك، يمكن أن تنهض قوة الانتشار السريع بعمليات من قبيل الإخلاء والإغاثة، ومكافحة الجريمة المنظمة.

وأخيراً، يجب أن يؤخذ في الاعتبار ضرورة تحديد منطقة العمليات الرئيسية لقوة الانتشار السريع المقترحة، والحد الجغرافي الأقصى المسموح بوصولها إليه. كما يجب تحديد ماهية الحالات الإنسانية الدولية، التي يمكن أن تتفاعل معها هذه القوة، وآلية تحقيق ذلك.

إن على دول المنطقة أن تتحرك باتجاه مشروع قوات التدخل السريع، على نحو فيه كثير من التأمل السياسي، والاحتراف المهني، والتحليل الواقعي للبيئة الأمنية والجيوسياسية السائدة. وذلك من أجل أن تنجح التجربة، وتغدو عنصراً داعماً لفرص الاستقرار في هذا الإقليم المضطرب من العالم.