محمد كريشـــــان


ما أقسى أن يدخل المرء السجن في الثمانين! فقد أصدرت محكمة عسكرية سورية مؤخرا حكما بثلاث سنوات على المحامي الناشط في مجال حقوق الإنسان هيثم المالح بتهمة 'نشر أخبار كاذبة من شأنها أن توهن نفسية الأمة'. وكان هيثم المالح الثمانيني اعتقل في الرابع عشر من شهر تشرين الأول/أكتوبر في العاصمة السورية دمشق بسبب المقالات التي نشرها عن الوضع في البلاد. وقد سبق للمالح أن تعرض للاعتقال من بين 1980 إلى 1986 مع عدد كبير من النقابيين والمعارضين على خلفية مطالبتهم بإجراء إصلاحات دستورية في البلاد. أضرب أثناء اعتقاله عن الطعام عدة مرات بلغ مجموعها 110 أيام، منها سبعون يوماً متواصلة شارف خلالها على الهلاك.
ليس المجال هنا الحديث عن حق المالح في التعبير عن رأيه ولا عن هلامية هذا الاتهام المتكرر في سورية عن كل ما 'يوهن نفسية الأمة' ولكن عن الزج بقاض سابق ومحام وراء القضبان وهو في هذا العمر. تناول الموضوع من هذه الزاوية الإنسانية البحتة لا يروق على ما يبدو لبعض المعارضين السوريين حتى أن أحدهم كتب في موقع للإنترنت يقول 'أتظنون أيها الشفوقون، وأنتم شفوقون حقا، أن هيثم المالح متضايق من السجن، ويريد أن يخرج للنقاهة، ليمضي أواخر أيام حياته على الفراش الوثير، مع أنه يستحق أن يحمل بالراحات، ويرفع على الرؤوس؟! ارفـقوا بهذا الرجل واتركوه يواصل قضيته، أو إنكم لا ترون أن نضاله داخل السجن يعادل أضعاف نضاله خارج السجن (..) اتركوا هيثم المالح يخرج من السجن شامخا مرفوع الرأس، كما دخله شامخا مرفوع الرأس رغم أنف المستبد'.
ليس عيبا أن يطلب أي منا مراعاة الجوانب الإنسانية في قضايا من هذا القبيل فذاك لا يعني أبدا ويجب ألا يعني أن في الأمر استرحاما من الجلاد، وفق تعبير بعضهم، ولا أنه يتضمن نفسا إعتذاريا مهينا. لا أحد يجادل في حق الدكتور المالح في الخوض في قضايا بلده بالطريقة التي يرضاها وبالتصور الحقوقي الذي جعله أحد مؤسسي منظمة للدفاع عن حقوق الإنسان، كما أنه ما من أحد يملك في المقابل تفويضا إلهيا حصريا يتيح له دون غيره تقدير مصالح الوطن، ثم إن الرجل بخلفيته القانونية الواسعة يعرف جيدا ما تتيحه هذا القوانين وما تحظره. وحتى وإن سعى من موقعه كواحد من أبرز المدافعين عن حقوق الإنسان في بلاده أن يدافع عن تعديل بعض القوانين وجعلها منسجمة مع المواثيق الدولية والتزامات سورية الدولية فليس في الأمر ما يجرم من أجله لا سياسيا ولا قانونيا خاصة مع التزامه الصريح بالنهج السلمي سبيلا لتطوير الحياة السياسية في بلاده.
في مقابلة تلفزيونية في باريس قبل عامين، لم ينكر الرئيس السوري بشار الأسد أن بعض قوانين بلاده قاسية في التعامل مع أصحاب الرأي الآخر في البلاد. لكن لا شيء حدث على مستوى تطوير هذه القوانين فقد ظلت إلى حد الآن غير قادرة على استيعاب أي تعددية قائمة فعلا أو مأمولة. ومع أن دمشق دأبت طوال سنوات على عدم الاعتداد بمواقف منظمات حقوق الانسان الدولية إلا أنها اليوم، وفي خضم كل الظروف المحيطة بها إقليميا ودوليا، يفترض أنها في غنى عن كل بيانات الإدانة من منظمات مرموقة مثل منظمة العفو الدولية وغيرها بخصوص سجن المالح. قد لا يكون مهما جدا إدانة باريس وواشنطن وهي التي تملك أكثر من معيار في الحكم على مدى احترام حقوق الانسان في العالم لكن أي إنسان، مهما كانت ميوله أو مواقفه من نظام الحكم في دمشق، لا يمكن أن يجد أي مبرر مقنع أو غير مقنع لرمي رجل في الثمانين في السجن. هذا أمر بكل بساطة غير مقبول بل ومعيب.