القاهرة - ميلاد حنا زكى

لم يبق لمصر من عظمتها القديمة إلا القليل، فأصبح العرش الفرعونى ضعيفا، وانتهز كبار الموظفين الفرصة وصار الحراس متهاونين ووجد اللصوص الفرصة لسرقة المقابر التى بدأت مع نزول فرق الكشف عن الحفائر القديمة، التى سمح بها حكام مصر من خلال أعمال التنقيب، وكان معظمهم من البريطانيين والفرنسيين أصحاب سلطة الحماية على مصر، بعد احتلال مصر مرتين، الأولى إبان الحملة الفرنسية عام ١٧٩٨ والثانية إبان الاحتلال البريطانى عام ١٨٨٢.

وضمت مراحل نهب الآثار، جحافل من المغامرين واللصوص والمهربين والتجار، الذين وفدوا مع فرق التنقيب وتخفوا أحياناً تحت عباءة قناصل الدول وفى أحيان أخرى علماء الآثار، واتجه المغامرون الأوائل إلى سرقة المومياوات التى وجدوها أمراً متاحاً، وأحصى بعض العلماء ومنهم laquo;صموئيل بيرشraquo; الأمين السابق للقسم الشرقى بالمتحف البريطانى عددها بـ٤٢ مليون مومياء، خلال ٢٧٠٠ سنة، من التاريخ المصرى، وعلماء آخرون قالوا إن الحضارة المصرية امتدت ٤٧٠٠ عام ولذلك فإن عدد المومياوات يصل إلى ٧٣١ مليونا.

والمومياوات المصرية القديمة وجدت سوقاً رائجة فى أوروبا، خاصة فى أوائل القرن الماضى بعد أن نقلها المغامرون عبر الحدود ولم يحتفظ بها الأوروبيون كآثار قديمة تحمل لهم عبق الحضارة والتاريخ، لكنهم استخدموها فى إنتاجية الأرض الزراعية كسماد، وكذا استخدموا الأكفان والكتان التى تلف بها المومياوات فى صناعة الورق.

وهذا الاكتشاف المثير توصل إليه الكاتب محسن محمد، فى كتابه laquo;سرقة ملك مصرraquo; سنة ١٧٨٨، وقال: laquo;إنه قبل خمس سنوات من هذا التاريخ أصبحت أولى الصادرات المصرية هى المومياوات إذ يصل منها عشرة آلاف طن سنوياً إلى الخارج وأغلبها إلى بريطانياraquo;.

وظهر أول لصوص الآثار عندما تولى المماليك حكم مصر باسم السلطان العثمانى وهو أسقف بريطانى اسمه laquo;ريتشارد بوكوكraquo; الذى زار مصر عام ١٧٣٧، وعبر النيل إلى الأقصر وكان ينزل المقابر بسلم من الحبال ويأخذ منها ما يأخذ، وكان المصريون فى ذلك الوقت يعتقدون أن الأوروبى يستطيع بسحره أن يعثر على الكنوز ويرحل بها وعندما تأكدوا من سرقاته هددوه بالقتل حتى اضطر إلى مغادرة البلاد.

وزادت سرقة الآثار المصرية ونهبها على نطاق واسع بعد أن أصدر العالم والرسام الفرنسى laquo;دومينيك فيقان دينوفraquo; كتابه laquo;وصف مصرraquo; فى ٢٤ جزءا مما جعل العالم يهتم بمصر، وجذب إليها اللصوص من كل مكان فى عصر laquo;محمد علىraquo; - بدأ عام ١٨٠٥- الذى كان حائراً بين بريطانيا وفرنسا وخصومه فى الداخل وفتوحاته فى الخارج وحماية الآثار التى لم يبد اهتماما بها، حيث حرص على اجتذاب قنصل بريطانيا laquo;سولتraquo; وقنصل فرنسا laquo;دروفيتىraquo; وانتهز القنصلان الفرصة فأخذا يسرقان آثار مصر على نطاق واسع. وربما يكون محمد على، قد عرف ما يفعله الرجلان فترك لهما سرقة الماضى، مقابل أن يتركا له الحاضر والمستقبل. وفى عام ١٨١٨، أرسل مجموعة ضخمة من الآثار المصرية إلى المتحف البريطانى مقابل ٢٠٠٠ جنيه، وهو ثمن يقل عن تكاليف الحفر والنقل، وظهر شخص يدعى laquo;بلزونىraquo; إيطالى الجنسية، جاء مع الحملة الفرنسية، لكن لم يعرف وقتئذ إنه سارق للآثار إلا بعد إصداره كتاب laquo;حكايةraquo; سنة ١٨٢٠، وقال فيه أنه أول من دخل الهرم الثانى ونقل لمتحف laquo;فيزوليمraquo; بكامبردج جزءاً من تابوت ضخم لرمسيس الثالث ويحكى عن سرقته للمسلات، حيث إن أول مسلة سرقها ألقى بها فى النيل ظناً منه أن التيار سينقلها إلى الإسكندرية، لكنها غرقت وسرعان ما أخرجها وهربها برياً.

وعرفت مصر إهدارا آخر للآثار، يزيد من نزيفها، وهو الإهداء، حيث كانت توجد فى معبد الأقصر ١٣ مسلة، فأهدى محمد على، مسلة إلى فرنسا نقلت عام ١٨٣١، وتوجد الآن فى ميدان laquo;الكونكوردraquo; فى باريس، وأهدى مسلة أخرى إلى ملك بريطانيا laquo;جورج الرابعraquo; عام ١٨٢١، لكنها لم تصل إلا عام ١٨٧٨ بعد رحلة طويلة وقد رحبت مجلة laquo;التايمزraquo; بوصولها فى مقال طويل بتاريخ ٨ أكتوبر من ذلك العام، وتوجد مسلة ثالثة فى حديقة laquo;سنترال باركraquo; فى نيويورك، وكل مسلة وزنها نحو مائتى طن ولا توجد فى معبد الكرنك الآن سوى ٣ مسلات، أما التسع الباقية فيتوقع أنها هدمت أو سرقت كأخواتها.

وفى عام ١٨٦٠ عثر الأهالى فى منطقة دراع أبوالنجا، بالأقصر على مومياء ملكة وعليها مجوهراتها وأبلغ النبأ إلى الخديو laquo;سعيد باشاraquo; وlaquo;مارييت باشاraquo; مدير مصلحة الآثار وقتئذ، الذى أمر بحفظ الآثار، لكن مدير قنا نقلها إلى بيته ولما جاء مفتش الآثار لم يجد إلا قليلاً من الحلى بينها سلسلة من الذهب يزيد طولها على متر أهداها الخديو إلى إحدى نسائه، وليس الأجانب فقط السارقين للآثار فأشهر التجار المصريين سرقة للآثار هو laquo;محمد عبدالرسولraquo; الذى ساعد العديد من الأجانب للوصول إلى مقابر لم تكتشف وظهر فى ذلك الوقت من هم يعيشون من كسب أرزاقهم على سرقة محتويات المقابر، وكان يتقاضى العامل ثلاثة قروش فى اليوم الواحد وبالطبع وقع هؤلاء الفلاحون فريسة لتجار الآثار الذين يستطيعون وحدهم الاتصال بالأجانب الراغبين فى الشراء.

وعندما توفى مارييت مدير مصلحة الآثار تولى laquo;جاستون ماسبيروraquo; الإيطالى الجنسية منصب مدير مصلحة الآثار المصرية، وأمين المتحف المصرى قام laquo;ماسبيروraquo; بنشاط كبير لمواجهة السرقات التى كانت تحدث للآثار المصرية القديمة بمساعدة العالم المصرى laquo;أحد كمال بكraquo; فنقل المئات من المومياوات والآثار المنهوبة إلى المتحف المصرى بالقاهرة، واستطاع أن يسن قانوناً جديداً عام ١٩١٢ ينص على ألا يسمح للأشخاص بالتنقيب ويقتصر التنقيب فقط على البعثات العلمية بعد الموافقة على مشروعها.

ولم يصبح من حق الحفارين الحصول على نصف ما يعثرون عليه، لكنهم يحصلون فقط على القطع التى لها مثيل مكرر بمتحف القاهرة، ولا يمنح القائم على الحفائر تأشيرة خروج من مصر، إلا فى حالة تركه الموقع الأثرى فى صورة مرضية، مما أثار حقد المهربين الأجانب وتجار الآثار وكان له الفضل فى القبض على أشهر تجار الآثار laquo;عائلة عبدالرسولraquo;، وتكريماً لأعماله الجليلة سمى مبنى الإذاعة والتليفزيون على اسمه laquo;ماسبيروraquo;.

وأول سرقة منظمة للآثار المصرية تعرضت لها آثار الملك laquo;توت عنخ أمونraquo;، وقام بها مكتشفها اللورد laquo;كارنافونraquo; ومساعده laquo;هوارد كارترraquo; عندما دخلا المقبرة بعد كشفها سراً مساء يوم ٢٦ نوفمبر ١٩٢٢، وسرقا كل محتوياتها، وتوجد هذه القطع الآن فى متحف laquo;ميترو بوليتانraquo; بنيويورك وذكر laquo;توماس هوفنجraquo; المدير السابق للمتحف، أن عدد القطع الأثرية المصرية الأصلية التى يضمها المتحف يبلغ حوالى ٣٥ ألف قطعة.

واستمرت مصر تهدر آثارها فلم تكن الآثار تحت سيطرة الحكومة، وكان مدير الآثار المصرية هو laquo;دريتونraquo; الفرنسى الجنسية، وأول مدير مصرى هو مصطفى عامر، ولم يكن لهما أى صلاحية أو سلطة أمام سطو بعثات الحفر الأجنبية حتى إن المغامرين الأجانب كانوا يتعاملون مع المصريين باحتقار شديد وهم يكشفون أسرار المقابر أو يشترون منهم ما يسرقونه من الآثار، حيث كانوا يدفعون لهم ٢٠ قرشاً مقابل جوال ممتلئ بالجعارين الأثرية. كانت مصلحة الآثار تتعامل مع المغامرين الوافدين للتنقيب، بطريقة القسمة، أى إعطائهم نصف ما يكتشفونه من آثار وظل هذا النظام سائداً طوال القرن التاسع عشر، حتى عام ١٩٥١ إلى أن ألغته الحكومة المصرية قبل الثورة.