محمد خليفة
لا تزال ردود الفعل متباينة ومتباعدة حول النتائج التي يمكن أن تترتب على التحركات الحالية عربياً وأمريكياً في اتجاه البحث عن صيغة تكون أساساً للحل العادل والدائم للصراع الفلسطيني ldquo;الإسرائيليrdquo; وجوهره قضية الشعب الفلسطيني، ولعل سبب هذا التباين أن آراء طرفي المعادلة ما زالت متباعدة بشأن السياسات والإجراءات ldquo;الإسرائيليةrdquo; بالعمل غير المشروع الذي يهدف إلى بناء المستوطنات وإلى تغيير التكوين الديمغرافي الإنساني وطابع الوضع المادي للأراضي الفلسطينية بالرغم أن قادة ldquo;إسرائيلrdquo; بمن فيهم المتشددون من الأحزاب الدينية يعرفون حق المعرفة أن الأمة العربية جادة في رغبتها في السلام، وإن ما دار في واشنطن والقمم العربية وما قد يدور مستقبلاً ليس بمناورات سياسية، ولا بتكتيكات تضليلية بل إنه تعبير صادق عن عزم شعوب المنطقة على توطيد السلام وترسيخ أركانه، فالسلام هو اليوم المدخل الرئيسي للحقبة الجديدة من تاريخ الأمة العربية، ولكن المتأمل في الخطاب الصهيوني الذي يبرر الاستيطان والتطهير العرقي لسكان فلسطين يدرك أن لا أمل في إنشاء دولة فلسطينية، بل إن توسيع نطاق الاستيطان يكشف نوايا ldquo;إسرائيلrdquo; في أنها لن تتخلى عن الضفة الغربية . فقد قال مناحيم بيغن في عام 1968 إن مشروعات السلام معناها تقسيم ldquo;إسرائيلrdquo; من جديد ولا يمكننا التنازل عن شبر واحد من الأراضي المحتلة ومن الواجب أن نعطي الأولوية للاستيطان الزراعي في الضفة الغربية للأردن والجولان لضمان السيطرة الفعلية لrdquo;إسرائيلrdquo; .
أما موشي دايان فقد تقدم بمشروع عام 1969 وقد سمي بrdquo;البرنامج الشفويrdquo; وجاء فيه أن على ldquo;إسرائيلrdquo; أن تضمن حرية الملاحة في إيلات والى الجنوب منها، وأن يتم هذا الضمان بواسطة القوات المسلحة وأن تظل المرتفعات السورية تحت سيطرة ldquo;إسرائيلrdquo;، واعتبار الأردن الحدود الشرقية الآمنة لrdquo;إسرائيلrdquo; . ولنتأمل أيضاً في المغزى العميق لقيام ldquo;إسرائيلrdquo; ببناء المستوطنات في القدس الشرقية حيث لا تتوقف المزاعم الصهيونية بأحقية ldquo;شعب الله المختارrdquo; في السيادة على القدس بل إن هذه المزاعم تجد لها صدى واسعاً لدى ldquo;إسرائيلrdquo; وعلى رأسها رئيس الحكومة ldquo;الإسرائيليةrdquo; نفسه، وتشير إلى انتماء الفصائل المتطرفة والأحزاب الدينية والمستوطنين المتعصبين إلى مقدمة النخبة المشاركة في اتخاذ القرار في ldquo;إسرائيلrdquo;، ما أدى إلى حالة من التعصب لكل ما هو صهيوني بما في ذلك إضفاء المشروعية على مجموعة من الأساطير التي تكون ركناً أساسياً من أركان الاعتقاد لدى المتطرفين وتتمثل في الربط بين عملية هدم المسجد الأقصى وبناء هيكل سليمان بدلاً منه، وذلك نتيجة التطرف النظري عقائدياً وفكرياً المتماثل مع التطرف السياسي على الأرض عندما تم الإعلان عن بلدية القدس الكبرى التي تضم إلى جانب القدس الشرقية إلى القدس الغربية ومجموعة من المستوطنات المحيطة بالقدس ما يسمح بوجود أغلبية يهودية في محيط هذه القدس الكبرى، فقد بلغ عدد المستوطنات 176 مستوطنة في الضفة الغربية بواقع 9 في جنين، و48 في نابلس، و8 في طولكرم، و27 في رام الله، و28 في القدس، و18 في بيت لحم، و11 في أريحا، و27 في الخليل . والمسؤول عن ذلك بلا شك هو رئيس الحكومة ldquo;الإسرائيليةrdquo; الذي هو من أشد دعاة ldquo;إسرائيل النقيةrdquo; أي الخالية من العرب وغير اليهود .
وتتجلى خطورة هذه المواقف في تنفيذها على الأرض بضم الأراضي المجاورة للقدس الشرقية، وبينما كان اليهود يملكون 7% من أرض فلسطين خلال الانتداب البريطاني لكنهم بموجب قرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة عام 1947 سيطروا على ما يقارب من 55% من الأرض واشتملت على الشريط البحري من أسدود إلى حيفا ما عدا يافا ومعظم صحراء النقب ما عدا مدينة بئر السبع وشريط على الحدود المصرية . وتسعى بلدية القدس التابعة للاحتلال ldquo;الإسرائيليrdquo; إلى هدم منازل فلسطينية في حي سلوان جنوبي القدس لإقامة كنيس يهودي مكانها إن لم تخلها العائلات الفلسطينية بداعي أنها أقيمت بشكل غير قانوني، وهناك أحياء سكنية كثيرة مهددة بالهدم بهدف ربط الأحياء الاستيطانية اليهودية وعزل البلدة القديمة، كما أصدرت السلطات ldquo;الإسرائيليةrdquo; قراراً جديداً يخول الجيش حق اعتقال وإبعاد كل من لا يحمل هوية الضفة أو تصريحاً خاصاً من عائلات قطاع غزة المقيمة في الضفة الغربية برام الله باعتباره متسللاً .
إن ويلات الطغيان تزحف على الشعب الفلسطيني الصابر، فهذه الأم الفلسطينية لا تزال تعيش معزولة عن العالم بعد أن تم هدم منزلها المجاور لبناء المستوطنات، وأصبحت تعيش فراقاً قسرياً تسامر ليل الألم وحيدة بعد طرد أسرتها تنام وتستيقظ على أصوات الضباع والذئاب وثعابين الدوريات، وتعيش الأم العجوز في شيخوختها تحت ظلال الأشجار في العراء وتعاني أشد المعاناة في وطن هو عرضة للهراوات العمياء واغتصاب الأرض ودوامة الهذيان السياسي لقضية الاستيطان الذي يظهر الوجه الأكثر قبحاً والأعمق بشاعة .
الإنسان الفلسطيني بات يعيش في وطن يحوطه ظلام حالك، أيامه كلها مترعة بالمتاعب ونفسه مكروبه بالمآسي، وهو لا يدري ما الذي ينبغي أن يفعله في هذا الجو القاتم الذي يخيم عليه، وتضيق به الدنيا ولا يستطيع التصرف مع أوضاعه المقلقة والأعباء المتراكمة التي تسد الأفق أمامه، ولم يعد يرى سوى اشباح المصاعب وركام الأحزان . لقد ضاقت به الأرض بما رحبت، وشعر بما يشبه الموت والاختناق في جو سياسي قاتم مقبض في موسم الخريف وتساقط المبادرات مثل أوراق الشجر فوق موائد البلد الجريح وزغاريد النساء في صلاة جنازة طائر الفينيق مع كل مناورة ومبادرة عربية بدءاً من وصفة اتفاق أوسلو إلى حصار المسجد الأقصى بعدة مستوطنات تشبه تلك المستعمرات الخاصة بالهنود الحمر .
لقد بالغ الذئب في وحشيته وعدوانه، فهو يمتلك الدبابة والطائرة والصاروخ والقنبلة الذرية . وهل بوسع الأطفال الفلسطينين أن يحلموا بغد أفضل بمكان آمن بعيداً عن الطلقات التي تصطادهم كما يصطاد صياد ماكر عصافير الأشجار البريئة؟
التعليقات