محمد المختار الفال

كشفت مصادر صحفية أن حكومة إسرائيل تخطط لإنشاء جهاز إعلامي تحت مظلة مؤسسات ومنظمات وهمية بهدف التأثير على الرأي العام العالمي.. وقالت صحيفة quot;ها آرتسquot;، التي نشرت الخبر، إن هذا الجهاز الإعلامي سيعمل على quot;تمريرquot; رسائل إعلامية للتأثير على سياسيين وصحفيين وصانعي الرأي العام في أوروبا. وطلبت وزارة الخارجية الإسرائيلية من سفاراتها تزويدها بأسماء مسؤولين كبار في الدول الأوروبية وعناوين بريدهم الإلكتروني، بينهم رؤساء حكومات ووزراء خارجية وأعضاء برلمانات ورؤساء منظمات غير حكومية وصحفيين نافذين. وأشار أحد المسؤولين الإسرائيليين إلى ما يمكن أن يحدثه هذا quot;اللوبيquot; من الأنصار في الرأي العام وضرب مثلاً: quot;عندما يتحدث سفير إسرائيل حول التحريض الفلسطيني أو تهريب أسلحة من سوريا إلى حزب الله فإن الأوروبيين يشككون في أقواله، لكن إذا وصلت الرسائل نفسها من جهة لا تبدو أنها مرتبطة بإسرائيل فإن الأمر سيكون ناجعاً أكثرquot;.
قد يسأل البعض ما الجديد في الأمر حتى يستحق أن يلفت النظر؟ فاستخدام إسرائيل للمؤسسات غير الرسمية والأشخاص المؤثرين في أروقة ودهاليز السياسة الدولية ومراكز صناعة الرأي العام والمؤسسات الإعلامية الكبرى المؤثرة ليس جديداً بل هو سياسة معروفة مكشوفة حتى لم تعد إسرائيل تجد حرجاً في إظهارها والتباهي بقدراتها لتكثير المؤيدين ولم تعد تجهد نفسها لإخفاء هذا النشاط أو التستر عليه.. نعم هذا معروف وليس خافياً ويكاد يسلم به الجميع لكن quot;المسكوتquot; عنه غير المعروف وغير المعترف به هو امتداد خارطة quot;الوكلاءquot; الإسرائيليين في المنطقة العربية التي ترفض هذا التمدد، في عمومها، وظلت تقاومه عشرات السنين وإن بدت في العقود الأخيرة تفقد بعض الصلابة وترق قواها وسماكة جدران مناعتها بعد أن تسلل إلى غددها quot;فيروسquot; السلام الوهمي المصنع في معامل الغرب بمادة صهيونية.. فهل هناك quot;لوبي إسرائيليquot; عربي؟ .. وما هو حجمه وتأثيره على المستوى السياسي والثقافي والشعبي؟، ومن هم عناصر هذا quot;اللوبيquot;؟.. وهل يوجد لوبي حقيقي أم أن تربية الخوف من الصهيونية وأفعالها على أرض فلسطين هي التي توهم بوجود هذا التيار؟.
ليس شرطا ألا يتم الحديث عن هذه القضية أو إثارتها للمناقشة الهادئة الباحثة عن معرفة الواقع وتدبر ما يطرأ عليه من تغيرات إلا إذا توفرت معلومات موثقة تجزم بوجود هذا اللوبي، فآثاره لا تخطئها العين الناظرة، ولا تخفى آثاره على تقليل quot;حساسيةquot; المزاج العربي نحو كل ما يتعلق بإسرائيل.. ndash; وقديما قالت العرب quot;البعرة تدل على البعيرquot; . وإذا قبل البعض quot;مشروعيةquot; الحديث عن هذا الأمر فمن هم يا ترى الناشطون في ساحته؟.. وكيف تسربوا إليها؟ ولماذا انخرطوا في سلكها؟. يبدو لي أن هذا اللوبي يضم:
bull; الجواسيس الذين يقبضون ثمن تجسسهم، أي الخونة الذين يتجسسون لصالح إسرائيل في الوطن العربي. وهؤلاء وجودهم قديم قدم الصراع العربي الصهيوني وتعليل وجودهم وتفهم طبيعة نشاطهم مفهوم ضمن دائرة quot;الانحرافquot; البشري الذي لا تسلم منه أمة أو شعب.. وهؤلاء هم الأقل خطراً والأقل أثرا على المستوى السياسي والثقافي لأنهم منبوذون مكروهون حتى من أقرب الناس إليهم ولأن الجاسوس لا يستطيع أن يتخلى عن طبيعة عمله ومتطلباته التي تكشف صاحبها حين الأزمات والأحداث المفصلية.
bull; وهناك فئة أخرى تقع في مجرى الدعاية الصهيونية دون أن تدرك ذلك. و يأتي في مقدمة هذه الفئة quot;المحبطونquot; الذين أفرغوا شحناتهم العاطفية في الشعارات التي لا تقف على أرض صلبة ولا تتغذى على معان روحية أصيلة ولا يوجهها منطق عقلي يرصد الواقع بأدوات التاريخ وسنن التغيير.. وهؤلاء لهم تأثيرهم النفسي في محيطهم لأن تاريخهم وسابقتهم في الممانعة تعطي رأيهم المصداقية وتشفع لهم عند الكثيرين من الجماهير العربية.. هؤلاء يوفرون خدمة لإسرائيل دون أن يقبضوا ثمنها فهم بروحهم quot;المحبطةquot; وخطابهم quot;المائعquot; بيئة صالحة لرسائل الدعاية.. وهؤلاء لا تطرق إسرائيل وأجهزتها الرسمية أو شبه الرسمية أبوابهم بل تسرب إليهم رسائلها من خلال المنابر الثقافية واللقاءات الدولية والمواقف السياسية التي ترفع لا فتة quot;السلامquot;.
bull; وهناك المتشنجون المعادون لكل الشعوب والثقافات، الصارخون في وجه كل من يختلف معهم .. هؤلاء أبعد ما يكونون عن تهمة quot;الخدمةquot; المباشرة ،بكل أبعادها، لكنهم يقعون من حيث لا يدرون في شباك الدعاية التي تريد أن توهم الرأي العام العالمي أنها ضحية الكراهية العربية والإسلامية. وأن quot;صراخquot; هؤلاء هو الذي يعبر عن روح الإسلام وثقافته وموقفه من الثقافات الإنسانية المخالفة. وأن ما يقوله المثقفون والرسميون العرب تجاه المخالف وما تتخذه الحكومات من مواقف لا يعدو أن يكون خطاب quot;تجميلquot; للمستهلك الغربي. وهذه الفئة quot;الصاخبةquot; تلحق ضررا بالغا بقضايا العرب وثقافة الإسلام حين تصوره quot;عدائياquot; رافضا للتعايش. ومن أسف أن quot;ضجيجquot; هؤلاء مادة مرغوبة من الإعلام الدعائي الذي يعمل على تشويه صورة العربي وجلب quot;تعاطفquot; الآخرين.
bull; وهناك الكتاب والصحفيون والمؤسسات الثقافية التي يتماها خطابها مع خطاب الدعاية الذي quot;يعمقquot; هشاشة هذه الأمة وquot;يرسخquot; فشلها في النهوض بدون الركون إلى غيرها وأن محطاتها المضيئة هي التي اتصلت بالغرب وثقافته وأسلوب حياته.. هذه المجموعة ينشط فيها أفراد مهنيون اتصلوا بالغرب السياسي والثقافي المنشغل بمنطقتنا، وتولد عن هذا التواصل quot;مزاجquot; مشترك يدفع باتجاه التخلص من نزعة المقاومة بكل أشكالها وألوانها والتضييق على أصحابها وتقزيم صورهم وتضييق مساحة تحركهم وظهورهم على الوسائل الإعلامية المؤثرة والمنابر الثقافية والشعبية. ويساند نشاط هذه الشريحة quot;مراكز أبحاثquot; أعطت اهتماماً خاصاً للقضايا الاجتماعية والتغيرات التي تجري في المنطقة ودراسة واقع الحركات والتجمعات التي يمكن أن تؤثر في مزاج وفكر الناس.. وتلقى هذه المجموعة دعما نفسيا ومعنويا ndash; إن لم يكن ماديا ndash; من بعض مراكز المال وقطاع الأعمال الذي تغريه المكاسب المادية المتوقعة من quot;الاستقرارquot; بعد إنشاء علاقات quot;طبيعيةquot; بين كل دول منطقة الشرق الأوسط وشعوبها. وهذه الفئة هي التي تستحق وصف quot;لوبيquot; لأنها تعمل بوعي ولديها هدف عام وتوظف كل مواقفها وإمكانياتها لتحقيقه وتتناغم أساليبها مع خطاب quot;دعاية السلامquot; الإسرائيلي.
هذه بعض quot;القنواتquot; المحتملة لنقل الدعاية الإسرائيلية إلى المنطقة العربية فهل تستحق التأمل من البعض؟.