ظافر محمد العجمي

لا يختلف اثنان على أن من حق المتحدث باسم لجنة الأمن القومي في مجلس الشورى الإيراني كاظم جلالي الاحتجاج على سوء معاملة السلطات الإماراتية للمواطنين الإيرانيين، كما أن من حقه الاحتجاج على ما نقلته صحيفة laquo;واشنطن تايمزraquo; بأن سفير الإمارات في الولايات المتحدة يوسف العتيبة قد أيد ضرب المنشآت النووية الإيرانية، وقال إن فوائد الهجوم تتجاوز تكاليفه على المدى القصير.
لكن كاظم جلالي لا يملك الحق في القول laquo;إن مماشاة الجهاز الدبلوماسي الإيراني مع الإمارات أدى إلى تمادي الدول الصغيرة التي تفتقد إلى تاريخ بالمنطقة لكي تطلق مثل هذه التصريحات السخيفةraquo;. كما لا يملك الحق في القول laquo;إن على بعض المسؤولين بالحكومة الإماراتية أن يدركوا أن الرحلات السياحية للمواطنين الإيرانيين لبلدهم الذي تعصف به الأزمات الاقتصادية الخانقة خاصة دبي من شأنها أن تؤدي إلى إنقاذها من هذا الوضع المأساويraquo;.
لقد سارعت دولة الإمارات الشقيقة على لسان مساعد وزير الخارجية الإماراتي بالقول إن التصريحات laquo;غير دقيقة وقد نقلت خارج سياقها، وإيران بلد جار للإمارات، وتربطنا بها علاقات تاريخية، وأن موقفنا من أزمة الملف النووي الإيراني لم يتغيرraquo;. ولكن ذلك لم يكف كاظم جلالي.
سيناريو الأزمة الإماراتية الإيرانية الراهنة يفتح لنا قسراً كوة في الأرض يطلّ منها متطرف قومي امتص بشكل مبالغ فيه الخصائص القومية المتمثلة في التعصب، والحساسية تجاه الإهانات غير الموثقة، والإحساس الحاد بالكرامة الوطنية دون أن يكون هناك سبب قاهر يدعو لذلك، وهذا ما ظهر عليه كاظم جلالي، ليسانده في هذا الموقف رئيس غرفة التجارة الإيرانية الإماراتية الذي يرى أن الإمارات جمّدت حسابات أشخاص لم تكن أسماؤهم ضمن قائمة العقوبات، وعليه قامت طهران بخفض حجم علاقاتها التجارية مع الإمارات.
ومن يعرف إيران في عصر نجاد يعرف أنها تعيش في عصر خضوع العقول لشعارات العزة القومية الزائفة، وأنها لن تعطي الاعتراف بفشلها ضد العالم على طبق من فضة، لذا لن تتردد في نقل معركتها إلى أفق آخر بحيث تضع الأمور على طاولة مختلفة كليا. أما لماذا الصدام مع دولة الإمارات بما يوحي وكأن أبوظبي تنفذ أجندة أميركية بحق طهران، فيرجع إلى نقاط عدة يجدر التوقف عندها:
1. لا شك أن تحول نظرة طهران للإمارات بوصفها خصما وليس بوصفها شريكا فيها الكثير من سوء التقدير الإيراني، حيث إن بازار طهران وهو عصب مهم جداً في الاقتصاد الإيراني بل وصانع للأحداث السياسية، يعتمد على سوق الإمارات في بضائعه، وعلى بنوك الإمارات لإنجاز خطابات الاعتماد لتمويل تجارته.
2. رب ضارة نافعة، فالخطوة الإماراتية بتجميد 41 شركة إيرانية من بين 8 آلاف شركة إيرانية في الإمارات هي خطوة في صالح المواطن الإيراني، لأنها تحجم نشاط الحرس الثوري الإيراني التجاري الذي يسيطر على %30 من الدخل القومي الإيراني ويسخرها لأغراض لا تصب في صالح المواطن في طهران وتبريز.
3. لقد كان ما قامت به حكومة أبو ظبي جزءاً من قرار أممي، لكن تضخم الخبر حدث لكون إيران شريكاً تجارياً كبيراً للإمارات، فكان لمثل هذه الخطوة صدى أوسع فيما لو تمت مع بلد آخر، ويكفي أن نعرف أن حجم التجارة بين البلدين يصل إلى 12 مليار دولار.
4. كما أن ما تم ما هو إلا رسالة تهديد إيرانية لدول أخرى تمارس تجارة مباشرة مع إيران مثل تركيا وماليزيا وغيرها من دول آسيا الوسطى وأميركا الجنوبية.
5. لا نشك في أن دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة كانت تتوقع مثل هذه الخطوة الإيرانية، ولا بد أنها قد حسبت الربح والخسارة، وهي على ثقة بصواب إجراءاتها لثقتها في الاقتصاد الإماراتي القوي بما فيه الكفاية لدرجة لم تهزه الأزمة الاقتصادية التي عصفت بإحدى دول مجموعة اليورو، بينما مرت على الدولة بأقل الخسائر.
6. لقد اتهمت إيران دولة الإمارات مع دول أوروبية برفض تزويد طائراتها بالوقود، ثم تراجعت عن تلك الاتهامات عندما لم تجد ما يسند هذا الاتهام من براهين. وحتى توقف العديد من رحلاتها الجوية، تذرعت بسوء معاملة الإماراتيين لمواطنيها، بينما تتمثل الحقيقة في أن سلطات الطيران الأوروبية قد منعت ثلثي طائرات شركة laquo;إيران إيرraquo; التي تعد أكبر شركة طيران إيرانية ولها 48 طائرة من الطيران في أوروبا بسبب مخاوف تتعلق بالسلامة، حيث يشمل الحظر إيرباص 320 وبوينغ 727 وبوينغ 747 الإيرانية، وهي طائرات ما زالت تعمل بكفاءة في دول الخليج العربي للعناية بصيانتها بشكل مستمر.
وخلاصة القول إن جارتنا العزيزة جمهورية إيران الإسلامية تمر بمنعطف حاسم نتيجة حزمة العقوبات الجديدة التي أقر علي أكبر صالحي رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية بأنها مؤذية لطموحهم النووي، وللخروج من عنق الزجاجة وجد صانع القرار السياسي الإيراني ضرورة القيام بإعادة سبك جذرية لتحركات المرحلة القادمة. وبما أن المشهد الخلفي لكل تحرك إيراني هو واحد من اثنين لا ثالث لهما إما لرايات منكسة وجيوش مهزومة، وإما انتصارات ومسيرات ورؤوس أبطال تكللها أغصان الغار كما استعاروها من غرمائهم اليونانيين. كل ذلك إلا الدبلوماسية الهادئة والتروي قبل إطلاق ردود الأفعال المتعجلة لأنها لا تتماشى مع من تقوده الحساسية المفرطة تجاه الإهانات والإحساس الحاد بالقومية وبالكرامة الوطنية.