علي إبراهيم

هي قصة أشبه بالأفلام السينمائية، شبكة عملاء نائمين، والجديد أنهم أزواج وعائلات بأطفال اندمجوا في المجتمع الأميركي بشخصيات وأسماء مستعارة لمعرفة أسراره واختراق دوائر النفوذ فيه لصالح الاستخبارات الروسية، وجهاز التحقيقات الاتحادي (إف بي آي) يراقبهم منذ فترة ليست قصيرة، وعندما شعر الـlaquo;إف بي آيraquo; أنهم استشعروا المراقبة وقد يغادرون اعتقلهم. وبخلاف الصدمة التي أحدثتها أنباء اعتقال هذه الشبكة والتفاصيل المثيرة عن أفرادها وحياتهم، التي أعادت أجواء الحرب الباردة بين القوتين الكبريين روسيا، وريثة الاتحاد السوفياتي السابق، والولايات المتحدة، فإن ما حدث لاحقا هو أكثر إثارة من قصة الجواسيس الذين يبدو أنهم لم ينجحوا في جمع معلومات قيمة أو اختراق أي دوائر واكتفوا بالاستمتاع بالحياة في الولايات المتحدة.

فقد كان الرئيس الأميركي باراك أوباما يعرف بأنباء الشبكة واعتزام الـlaquo;إف بي آيraquo; اعتقالهم عندما التقى الرئيس الروسي ميدفيديف قبل وخلال قمة العشرين في كندا، وأجرى مباحثاته مع الرئيس الروسي حول تنسيق المواقف تجاه قضايا عالمية تمتد من الاقتصاد إلى إيران والأسلحة النووية وتحسين العلاقات، وبعد أن تم كل ذلك جرى كشف الشبكة واعتقالهم لتبدأ بعدها المفاوضات مباشرة بين موسكو وواشنطن لاحتواء القضية وإيجاد مخرج يحفظ ماء الوجه وبما لا يضر الرغبة المشتركة بين الجانبين في تحسين العلاقات.

رد الفعل الأولي من موسكو الذي أنكر الأمر لم يلبث أن توارى بسرعة ليفسح المجال لاتصالات للإسراع في إبرام الصفقة التي تكشفت تفاصيلها بعد ذلك، وكان مسرحها الرئيس فيناو، وكان واضحا من البداية أن الأمور تدفع في هذا الاتجاه من خلال التهمة المخففة التي وجهت للعملاء، وهي العمل لصالح دولة أجنبية دون إذن.

وكانت النتيجة أو الخاتمة السعيدة التي رأيناها، موسكو تستعيد العملاء العشرة الذين أزالوا العقبة القانونية أمام ترحليهم باعترافهم بالذنب بعد أن أقنعت موسكو بعضا منهم بمغريات مالية وضمانات تصل إلى تقديم سجن مجاني مدى الحياة، في مقابل 4 كانت تعتقلهم روسيا بعد أن أدانتهم بالعمل لاستخبارات أميركية وغربية، وأقفل الملف على ذلك ليواصل البلدان الحديث عن تطوير العلاقات الثنائية والتنسيق تجاه القضايا الدولية.

وهناك درس مستخلص من هذه القضية، وهي الطريقة التي تتصرف بها الدول الرشيدة معا في قضايا حساسة، وقد تمس أمنها دون عواطف أو انفعالات. فالجانبان اتفقا على تجنب التصعيد والإجراءات الانتقامية التي ميزت فترة الحرب الباردة عندما كانا يتبادلان عمليات الطرد، والطرفان رجحا مصلحتهما في تحسين العلاقات دون أن يدعا قضية جانبية تؤثر على الهدف الاستراتيجي لكل منهما.

لم يخرج أحد بتهديدات بالويل والثبور وعظائم الأمور، أو بحملات إعلامية تهيج الرأي العام قد تدغدغ عواطفه لكنها لا تحقق مصلحة، واكتفيا بصفقة تبادل جواسيس أديرت بعقل بارد، قبلت فيها موسكو بتسليم مدانين بالتجسس لديها مقابل تفادي الإحراج لو جرت محاكمات للشبكة المعتقلة، والتي أسف بعض الأميركيين على رحيل نجمتها الجاسوسة الحسناء التي ملأت قصصها وصورها الصحف الشعبية هناك. هو درس مهم في العلاقات الدولية، وكيف تدير الدول الرشيدة مصالحها، ولا تدع العواطف تقودها وتشكل في بعض الأحيان سياستها الخارجية مثلما نرى في المنطقة العربية، عندما نرى أزمات وعواصف في العلاقات مع الدول تغذيها حملات إعلامية في قضايا أبسط، وتتضرر المصلحة العامة دون أي فائدة.