خيرالله خيرالله

عاد الهدوء إلى جنوب لبنان. يبدو أن الرسالة وصلت. ولكن كيف سيرد المجتمع الدولي عليها؟ شاء laquo;حزب اللهraquo;، عبر تحريك الوضع في جنوب لبنان وافتعال صدامات مع القوة الدولية الموقتة في منطقة عملياتها، تأكيد أنه يسيطر على المنطقة، وأنه صاحب الكلمة الأولى والأخيرة فيها. أكثر من ذلك، أراد تكريس أنه المرجعية الأولى والأخيرة في لبنان، كل لبنان، وأنه إذا كان قبل القرار الرقم 1701 مضطراً في العام 2006 فإن ليس ما يجبره على التزام القرار في العام 2010 ، خصوصاً إذا كان هناك من يريد توجيه اتهامات إلى عناصر تابعة له في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
تبدو المعادلة التي يسعى الحزب، وهو لواء في الحرس الثوري الإيراني، إلى فرضها على لبنان واللبنانيين في غاية البساطة. إما يوفر له لبنان حكومة وشعباً وقوى سياسية ومؤسسات، غطاء في حال توجيه أي اتهامات له في قضية اغتيال رفيق الحريري في العام 2005... وإما لا وجود للقرار 1701 الذي أمن أربعة أعوام من الهدوء والاستقرار في جنوب لبنان بفضل وجود القوة الدولية التي عززها القرار 1701 ومكنها من مساعدة الجيش اللبناني في بسط سيطرته على الجنوب للمرة الأولى منذ العام 1975.
انه بكل بساطة تخيير للبنان واللبنانيين بين القرار 1701 وتراجع المحكمة الدولية عن توجيه أي اتهامات إلى laquo;حزب اللهraquo; في قضية اغتيال الحريري وآخرين من الشهداء. هل لبنان مع القرار 1701 أو ضده، هل يريد اللبنانيون بقاء القوة الدولية في جنوب لبنان أم لا، هل هناك بديل من المحكمة الدولية أو من القوة الدولية... أو من القرار 1701؟
عملياً، يضع laquo;حزب اللهraquo; ومن هم خلفه لبنان واللبنانيين في وضع حرج، بين خيارين صعبين أحلاهما مرّ، خصوصاً أن الطفل في هذا البلد يعرف أن لا مستقبل للبنان في حال بقي جرح الجنوب ينزف، وأن لا مستقبل لمؤسسات الدولة اللبنانية في حال لم يسمح للمحكمة الدولية بمتابعة مهمتها. مرة أخرى، كيف سيتصرف المجتمع الدولي، هل يتصرف من منطلق أن عناصر القوة الدولية في جنوب لبنان رهائن لدى laquo;حزب اللهraquo; وأن عليه أن يأخذ ذلك في الاعتبار في كل خطوة يقدم عليها، خصوصاً متى تعلّق الأمر بالمحكمة الدولية، أم يؤكد مجدداً أن المحكمة الدولية مؤسسة مستقلة مرتبطة بمجلس الأمن التابع للامم المتحدة وأن لا مجال لممارسة أي نوع من الضغوط عليها؟ قد توجه المحكمة اتهامات إلى الحزب، كما قد لا تفعل ذلك، ولكن يظهر أن الحزب مصر على التحكم بمضمون القرار الظني قبل وضعه أو صدوره!
ما شهده جنوب لبنان أخيراً يكشف أن laquo;حزب اللهraquo; يخشى المحكمة الدولية، وهو يريد من اللبنانيين اتهام إسرائيل باغتيال رفيق الحريري، حتى لو كان رأي المدعي العام الدولي الذي يشرف على التحقيق مغايراً لذلك. لبنان دخل دائرة الخطر من بابها الواسع، دخلها من الجنوب تحديداً، نظراً إلى أن الدول المشاركة في القوة الدولية المعززة التي انشأها القرار 1701 بدأت تفكر في مستقبل جنودها، ومستقبل مشاركتها في حماية الوطن الصغير.
ما البديل من القوة الدولية المعززة بموجب القرار 1701 الموجودة في الجنوب منذ أربعة أعوام؟ البديل هو الفوضى تعصف بلبنان وبما بقي من مؤسساته، البديل هو العودة إلى المتاجرة بالجنوب وأهله بصفة كونه الجبهة العربية الوحيدة المفتوحة مع إسرائيل. لقد وقعت مصر معاهدة سلام مع الدولة العبرية في العام 1979، كذلك فعل الأردن في العام 1994. أما الجبهة السورية فهي صامتة منذ العام 1974 رغم استمرار الاحتلال الإسرائيلي للجولان. هل مطلوب من لبنان أن يكون هانوي العرب ارضاء للمتاجرين بالعرب والعروبة من عرب وغير عرب، وأن يستخدم جنوبه غطاء لتمرير جرائم ارتكبت في حق الشرفاء، بل أشرف اللبنانيين والعرب؟
تكمن مشكلة لبنان بكل بساطة في أن ليس في استطاعته الاستغناء عن القرار 1701، كما ليس في استطاعته في الوقت ذاته اتخاذ موقف سلبي من المحكمة الدولية. انه مأزق ضخم وعميق في الوقت ذاته نظراً إلى أن الأحداث الأخيرة في جنوب لبنان كشفت أموراً عدة. كشفت أولاً هشاشة مؤسسات الدولة وعجزها عن بسط نفوذها وسيادتها على جزء عزيز من الأرض اللبنانية قبلت التخلي عنه منذ العام 1969 تاريخ توقيع laquo;اتفاق القاهرةraquo; المشؤوم. كذلك كشفت أن هناك فريقاً لبنانياً مسلحاً يسعى إلى خطف قرار الدولة اللبنانية وتحويل الوطن الصغير رأس حربة للمحور الإيراني- السوري. وكشفت أخيراً أن السعي إلى تحقيق العدالة ذو ثمن باهظ. لبنان مكشوف أكثر من أي وقت. مؤسساته مكشوفة، أرضه مكشوفة، جنوبه مكشوف. يتبين كل يوم أن منطق الثورة لا يمكن أن يتعايش مع منطق الدولة. هذا الصراع، على أرض لبنان، بدأ مع دخول السلاح الفلسطيني، وهو مستمر مع وجود سلاح ميليشيا laquo;حزب اللهraquo;. يمكن لهذا السلاح أن ينتصر على لبنان، وعلى مجتمعه الحضاري المنفتح، وعلى صيغة العيش المشترك في غياب القدرة على الانتصار على إسرائيل للأسف الشديد. أي خيار سيعتمده لبنان؟ الكثير سيعتمد على ما سيفعله المجتمع الدولي. هل يتخلى هذا المجتمع عن لبنان ويتركه يتعاطى وحيداً مع نتائج التحقيق الدولي في اغتيال رفيق الحريري ورفاقه؟ ما شهده جنوب لبنان في الأيام القليلة الماضية كان جزءاً من رسالة لا أكثر. هل من رد عليها... أم يترك لبنان مجدداً تحت رحمة سلاح الحزب كما حصل في أثناء غزوة بيروت والجبل في السابع والثامن والتاسع من مايو 2008؟