وليد شقير


تشكل زيارة رئيس الحكومة سعد الحريري لدمشق الأحد المقبل محطة أساسية لاختبار مدى إمكان إحداث تقدم في العلاقات الثنائية بين البلدين، بعد مضي زهاء 7 أشهر على زيارة الحريري الأولى التي وصفت بالتاريخية نظراً الى المصالحة التي تخللتها بينه وبين الرئيس السوري بشار الأسد.

ومع أن البنود التي تحتاج الى ترجمة مرحلة التوافق اللبناني - السوري الى نتائج عملية وملموسة كثيرة، فإن الزيارة المرتقبة ستتيح تنفيذ بند ثانٍ من بنود البيان المشترك الذي صدر في 14 آب (أغسطس) 2009 عند أول زيارة قام بها رئيس الجمهورية ميشال سليمان لدمشق بعد انتخابه، إثر تنفيذ بند إقامة العلاقات الديبلوماسية بين البلدين. والبند الثاني هو laquo;مراجعة الاتفاقات الثنائيةraquo;، الذي يفترض بالزيارة أن تحسمه بعد أشهر من اللقاءات والاتصالات، مضافاً إليه حسم الموقف من 18 اتفاقاً جديداً.

لكن الأهم أن الزيارة تتم في إطار المقاربة الجديدة التي قرر الحريري اعتمادها في العلاقة مع دمشق منذ زيارته الأولى، والتي تقوم على أن تحسين العلاقات لا يمكن أن يتم في ظل طرح الشروط والشروط المضادة، وفي ظل اشتراط تنفيذ سورية ما يطالبها لبنان به لتحسين العلاقة، نظراً الى اعتقاده أن المقاربة الإيجابية بعيداً من التشنج هي التي تسمح بالتوصل الى ما يريده لبنان. وإذا كان الاعتقاد أن هذه المقاربة الإيجابية قوبلت بإيجابية من الجانب السوري الى الآن، خصوصاً أن الحريري تعاطى بصبر وتشبث بمقاربته الهادئة إزاء ضغوط وسلبيات تجاهه من بعض حلفاء دمشق في لبنان، فإنه لا بد من النظر الى الإطار الإقليمي والدولي الذي تجري فيه الزيارة، بما يتجاوز ما يمكن أن يكون لها من آثار مباشرة على الوضع اللبناني.

ولا بد من التذكّر هنا أن ما تشهده العلاقة بين البلدين يتم تحت سقف التفاهم السعودي ndash; السوري الذي تطوّر في الآونة الأخيرة الى تعاون في قضايا إقليمية ساخنة أبرزها العراق الآن. وهذا السقف هو حفظ الاستقرار في لبنان كأولوية قصوى، مع ما يعنيه ذلك من جهود سورية لتثبيت هذا الاستقرار، حل المشاكل العالقة بين البلدين بالتواصل الدائم، وترك اللبنانيين يعالجون شؤونهم الداخلية في إطار حكومة الوحدة الوطنية...

لكن المشهد الإقليمي الذي تتم الزيارة في إطاره يتعدى ذلك أيضاً. فالدول الكبرى المعنية بالاستقرار في لبنان، من الولايات المتحدة مروراً بأوروبا، انتهاء بروسيا، تعتبر أن سورية حققت لهذا الغرض خطوات لكنها غير كافية، فيما ترى دمشق أن الانفتاح عليها من قبل هذه الدول منذ حصول التهدئة في لبنان لم يكن كافياً.

وإذا كانت الدول الكبرى، بما فيها روسيا، تأمل من القيادة السورية سياسة أكثر استقلالاً عن إيران، فإن هذه القيادة تعتمد استراتيجية مرنة تحت سقف استمرار تحالفها مع إيران، تقوم على التمايز عنها في مواجهة الأخطار التي تتعرض لها المنطقة، وتقوم على تطبيع العلاقة السورية ndash; العربية بدءاً بالمصالحة مع السعودية وعلى توثيق العلاقة مع تركيا في شكل تصاعدي مع الخشية التي عبر عنها الرئيس الأسد من انفراط العلاقة التركية ndash; الإسرائيلية، وآثارها السلبية على إمكان استئناف التفاوض على عملية السلام مع إسرائيل، باعتباره يعتمد أنقرة قناة التفاوض الرئيسة، هذا إضافة الى اعتماده سياسة التطبيع مع دول أوروبا وأميركا، التي تعتبر أن لبنان أحد ميادين اختبار الدور السوري في الاستقرار إضافة الى العراق وفلسطين.

وإذا كان حليف سورية الوثيق، إيران، استخدم في الآونة الأخيرة لبنان صندوق بريد ليبعث برسائل من طريق الصدامات التي وقعت بين laquo;حزب اللهraquo; و laquo;يونيفيلraquo; رداً على العقوبات ضد إيران، أو لأسباب تتعلق بما هو آتٍ رداً على المحكمة الدولية، كما قيل، وبإشارات لباريس عبر تجميد الاتفاق الأمني اللبناني ndash; الفرنسي نظراً الى تشددها في العقوبات، فإن الجانب السوري استخدم laquo;صندوق البريدraquo; اللبناني ليبعث برسائل مختلفة انطلاقاً من ازدواجية استراتيجيته القائمة على الانفتاح والإبقاء على تحالفه مع إيران و laquo;حزب اللهraquo;. فدمشق حرصت عبر حلفائها، لا سيما رئيس البرلمان نبيه بري على تهدئة المشاكل مع laquo;يونيفيلraquo;، لتأكيد حرصها على تجنب ما يقود الى تسهيل حصول حرب إسرائيلية على لبنان. وهي سبق أن أبدت تفهمها لموقف لبنان بالامتناع عن التصويت على العقوبات ضد إيران، بخلاف laquo;حزب اللهraquo; الذي انتقد عدم وقوف الحكومة ضد العقوبات.

إلا أن هذا كلّه لا يعني أن دمشق ستقدم أكثر مما يحفظ الاستقرار، الذي يهتز أحياناً، في تمايزها عن إيران، لأن تخليها عن أوراق كثيرة متروك للوقت المناسب، ومقابل خطوات أكبر من آفاق الانفتاح الحالي عليها، أقلها استعادتها الجولان...