محمد الصياد

ما يحدث اليوم في البحرين من تجاذبات سياسية بين القوى والتيارات والشخصيات التي انخرطت، بدرجات متفاوتة، في السباق المحموم والمنافسة الضارية على المقاعد الأربعين للمجلس النيابي التي سيجري التزاحم على الفوز بها في شهر أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، يشبه، بصورة أو بأخرى، ما يحدث في دولة الكويت الشقيقة من عمليات تشطيب انتخابية قبيل بدء أي انتخابات لأعضاء مجلس الأمة الكويتي، مع فارق أن عمليات التشطيب الانتخابي في الكويت، أو ما يسمى بالإنجليزية تقصير القائمة (Short listing) تتم عبر ما تسمى ldquo;الفرعياتrdquo;، ويُقصد بها الانتخابات الفرعية التي تجريها القبائل الكويتية لاختيار مرشحيها الذين سيمثلونها في الانتخابات، بينما عمليات ldquo;تشطيبrdquo; أو ldquo;تقصير القائمةrdquo; التي انطلقت بقوة وعلى حين غرة في البحرين على وقع اقتراب موعد الاستحقاق الانتخابي، تتم عبر وسيلة التسقيط والتشكيك في الخصم الانتخابي وفي قدراته وحظوظ فوزه في الانتخابات .

وعلى ما هو ظاهر فقد انخرطت في هذه العملية من التسخين الانتخابي الممهدة لأجواء المعركة الفاصلة التي لا يفصلنا عن موعد حدوثها سوى نحو ثلاثة أشهر، كل الكتل النيابية وواجهاتها الحزبية والسياسية، وعدد من المرشحين المستقلين الذين قرروا، لأسباب مختلفة، خوض غمارها، والتنظيمات السياسية، إضافة إلى المؤسسات الصحافية وبعض المواقع الإلكترونية، وبالتأكيد رجال الدين المعادين بحكم منطلقاتهم الفقهية غير المؤسسة، للديمقراطية وللقوانين الوضعية المنظمة لعلاقات أفراد المجتمع ولشؤونهم الحياتية، الجارية والمستقبلية، والذين امتطوا ldquo;اللعبةrdquo; الديمقراطية وفرعها، السلطة التشريعية، ldquo;لدرء مفسدة أكبرrdquo; على حد زعمهم .

ومع أن جميع هؤلاء الفرقاء تقريباً قد استدعوا مكنونات ldquo;ذخيرتهمrdquo; من مختلف مكونات ثقافة الفزعة، المتراوحة ما بين ldquo;امتيازاتrdquo; دينية وفقهية حصرية، واستثارة ldquo;نخوات وهممrdquo; مذهبية وطائفية وقبلية وعشائرية وجهوية، فإن أحداً منهم لا يبدو في وارد الإقرار بمساهمته الفادحة في تأزيم العلاقات المجتمعية والدفع بها نحو التوتر .

وهذا تطور لافت في الطبيعة التي يتوقع أن تكتسبها الحملات الانتخابية، وهو تطور غير مألوف ويعكس حالة التوتر التي تسيطر على الفرقاء المتربصين بكراسي السلطة التشريعية وسطوتها المعنوية والوجاهية، إضافة إلى تأثيراتها في المسار العام للمشهد السياسي والاجتماعي للمجتمع البحريني، من خلال دالة التشريع التي تصوغ اتجاهاته وتشكلها .

ماذا يعني هذا؟ وما الذي يقرأه المرء في هذه ldquo;التطوراتrdquo; الانتخابية البحرينية المُنْبِئة؟

وفقاً للمعطيات الحاضرة المستقاة من هنا وهناك، يمكننا اقتراح القراءة التالية:

(1) يبدو أن الأطراف الأساسية التي تمسك بزمام أمور ldquo;اللعبةrdquo; البرلمانية، لا تتوافر حتى اللحظة على أي استعداد لتغيير قواعد ldquo;اللعبةrdquo; وإحداث تغيير جدي في مواقفها من شأنه تغيير التركيبة البرلمانية الحالية، وإضفاء حيوية أكبر على أداء وعمل السلطة التشريعية، وذلك ببساطة لاقتناعها بعدم وجود ما يضطرها في ميزان القوى المجتمعي إلى إحداث مثل هذا التغيير الملحّ .

(2) هذا الوضع الاستاتيكي من شأنه الإبقاء على حالة التخندق الطائفي التي لعب المجلس النيابي والتنظيمات السياسية التي تأتلفه دوراً ريادياً في إشاعتها، واستمرارها في الضغط على أعصاب المجتمع البحريني ومزاجه العام البحريني الذي أظهر عدم اكتراث البتة بسياسات ldquo;الإحماءrdquo; الطائفي ذات الأجندات الخاصة المتضادة مع المصلحة الوطنية العليا .

(3) من المتوقع على نطاق واسع أن يزداد دور المال السياسي في حسم كثير من النتائج الانتخابية، وذلك في ضوء ما أسالته الامتيازات المادية وغير المادية للكرسي البرلماني من لعاب الطامعين في الوصول إليه .

وإلى ذلك فإنه إذا ما قُيّض للأمور أن تجري على ذلكم النحو الكئيب، المقروء اجتهاداً، فإنه يصبح من نافل القول أن ذلك لن يخدم بالضرورة الحراك التنموي العام إن لم يزد من مصاعبه .