أمير طاهري


فيما تعد إيران نفسها للتكيف مع حزمة جديدة من العقوبات، فإن النقاش غير الرسمي حول الآثار المحتملة لهذه العقوبات يكشف عن انقسامات عميقة داخل الجمهورية الإسلامية.

حتى الآن، يمكن تمييز خمس وجهات نظر في هذا النقاش.

أصحاب وجهة النظر الأولى يزعمون أن هذه العقوبات، التي فرضتها الأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ترقى إلى أن تكون نعمة مقنعة ولذلك يجب الترحيب بها.

وأكثر من أفصح عن ذلك الرأي هو، ومن دون استغراب، الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، وهو الرجل الذي تعتبر سياساته الاستفزازية الطفولية المسؤول الأول عن اشتعال هذه الأزمة.

لقد كان البند الرئيسي في برنامج أحمدي نجاد الذي طرحه خلال حملته للانتخابات الرئاسية عام 2005 هو فكرة الاكتفاء الذاتي التي استلهمها من النموذج الكوري الشمالي. وهذا يعني أن الجمهورية الإسلامية يجب أن تقلص اعتمادها على العالم الخارجي إلى أقصى درجة. والأساس المنطقي لهذه الفكرة هو ما دامت جميع حكومات العالم بها أعداء لـlaquo;الإمام الغائبraquo; فلن تقوم بأي عمل يكون فيه الخير للنظام الإيراني.

ووفقا لأحمدي نجاد فإنه كلما طالت مدة العقوبات كان معدل التطور في الصناعة الإيرانية أسرع. فالحاجة هي أم الاختراع، أي إن النقص في العديد من المنتجات والخدمات سيدفع الإيرانيين لإنتاجها بأنفسهم. كما أن العقوبات، ومعها تجميد علاقات إيران مع عشرات، إن لم يكن جميع، البلدان الأخرى تعد أيضا حماية للشعب الإيراني من laquo;التسممraquo; بالثقافات الأجنبية خاصة تلك القادمة من البلدان laquo;الكافرةraquo;.

أما وجهة النظر الثانية، فيحملها المسؤولون وكبار رجال الدين الذين يعيشون في عالم افتراضي من الأوهام السياسية. فهم يعترفون بأن فرض العقوبات يمثل مشكلة بالنسبة إلى النظام، لكنهم يزعمون أن الأثر العام لهذه العقوبات ضئيل للغاية.

ومن بين الذين يتبنون وجهة النظر تلك وزير الخارجية الإيراني منوشهر متقي. وبتجاهل فشل وزارته في إيقاف إصدار قرارات الأمم المتحدة، ادعى متقي أن الجمهورية الإسلامية قد وجدت وسائل للحد من تأثير هذه العقوبات. وإذا كان علينا تصديق ما يقول، فهذا يعني أن أكثر من 70 في المائة من العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على إيران منذ نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 2006 لم تنفذ على أرض الواقع.

وأشار متقي إلى حقيقة أن نحو عشرة بلدان أو أكثر، من بينها تركيا والنمسا واليونان وماليزيا وفنزويلا، قد ساعدت الجمهورية الإسلامية على إفشال هذه العقوبات وتجاوز الكثير منها.

والرسالة هي: ابتسموا وتحملوا الشدائد!

أما هؤلاء المسؤولون ومديرو الشركات الكبرى المملوكة للدولة الذين لا يشاركون لا أحمدي نجاد ولا متقي أوهامهم فيعبرون عن وجهة النظر الثالثة. وفي مقدمة هؤلاء علي أكبر صالحي، رئيس البرنامج النووي الإيراني والذي تلقى تعليمه في الولايات المتحدة. ففي تصريح نادر له، أقر صالحي بأن العقوبات الجديدة ستبطئ إلى حد كبير البرنامج النووي.

كما اعترف علاء الدين بروجردي، الذي يرأس لجنة الأمن في المجلس الإسلامي، أو البرلمان الإيراني، أيضا بأن العقوبات سوف تتسبب في الأضرار، وذهب إلى أبعد من ذلك بالإشارة إلى احتمال أن تضطر إيران، نظرا لظروف معينة لم يفصح عنها، إلى وقف تخصيب اليورانيوم عند حد 20 في المائة.

وبعد ذلك، لدينا وجهة النظر الرابعة التي صرحت بها المعارضة الداخلية والعديد من المواطنين العاديين. ومن بين أكثر الذين يطرحون وجهة النظر هذه هو آية الله مهدي كروبي، الذي كان من أشد أنصار الفكر الخميني، والآن أصبح من منتقدي النظام الحاكم.

ووفقا لهذا الرأي، فإن الحرس الثوري يرحب في الواقع بفرض العقوبات ويعتبرها فرصة لتحقيق أرباح أكبر.

النظرية هنا هي أن العقوبات تضر التجارة المشروعة لكنها تدعم اقتصاد السوق السوداء الذي يدار معظمه من قبل الحرس الثوري. وهكذا، فإن السلع التي لا يمكن استيرادها من الناحية القانونية سيجلبها الحرس الثوري من خلال عصابات التهريب التي تعمل في تركيا والعراق وأفغانستان وباكستان ودبي. وفي الوقت نفسه، سيكون الحرس الثوري قادرا على الاستحواذ على أو الشراء لصالح شركات صغيرة في السوق السوداء تعمل في الخفاء بسبب العقوبات.

وأخيرا، لدينا وجهة النظر الخامسة القادمة مما تبقى من مجتمع الأعمال الإيراني غير التابع للدولة. ففي بداية هذا الشهر وفي خطوة احتجاجية أغلق بازار طهران، الذي يعتبر المركز الرئيسي لتجارة إيران مع العالم الخارجي، أبوابه لمدة خمسة أيام. وهذه هي المرة الأولى منذ أكثر من عقد من الزمان يقوم البازار، الذي كان معقلا للخمينية، بالتحدي العلني للنظام الذي ساعد في وصوله إلى السلطة قبل 30 عاما.

وفي الظاهر، كان البازار يعترض على زيادة الحكومة ضريبة القيمة المضافة بنحو 70 في المائة. ومع ذلك، خرج الناطقون باسم البازار عن المألوف وأشاروا إلى أن العديد من التجار واجهوا الإفلاس نتيجة العقوبات الجديدة.

كما أعلنت غرفة تجارة طهران أن التقديرات تشير إلى أن العقوبات قد تؤدي إلى انخفاض معدل النمو السنوي بمقدر 1.8 في المائة. وبالنظر إلى أن معدل النمو الحالي لا يزيد على 3 في المائة، فإنه إلى جانب الآثار الأخرى للركود يمكن أن يؤدي إلى أن يصبح معدل نمو بالسالب، مما سيؤدي إلى زيادة كبيرة في معدلات البطالة وانخفاض حاد في الطلب على السلع.

وأشارت تقديرات صدرت في الآونة الأخيرة عن وزارة العمل إلى أن ما يصل إلى 3000 إيراني يفقدون وظائفهم يوميا.

أما الأمر الأهم فهو موقف laquo;المرشد الأعلىraquo; آية الله علي خامنئي، الذي لا يزال واحدا من اللاعبين الرئيسيين في السياسة الإيرانية المعقدة. وأفضل تخمين لموقفه هو أنه على أقل تقدير يشارك أحمدي نجاد جزءا من تحليله ولن يكون غاضبا إذا حقق قادة الحرس الثوري مكاسب إضافية بفضل العقوبات.

كما أنه من السابق لأوانه تقدير الآثار النهائية لهذه العقوبات. وعلى الرغم من أن الرأي الشائع في الأوساط العالمية هو أن العقوبات ليست ذات جدوى، فإن الحقيقة هي أنها تضر الأنظمة التي تفرض عليها وتضعفها. ووفقا لإحدى الدراسات السرية التي أعدت لصالح وزارة التجارة فإن أكثر من 40000 شركة، ومن بينها بعض الشركات الكبرى، ستضطر إلى غلق أبوابها خلال السنوات الثلاث المقبلة نتيجة للعقوبات الجديدة. ومن المعلوم أن جزءا كبيرا من الصناعات الإيرانية يعتمد على الأجزاء المستوردة وكثيرا منها قد يدخل الآن في قائمة الممنوعات بسبب الاشتباه في استخدامها المزدوج. كما أن صادرات إيران غير النفطية، التي حققت زيادة قدرها 23 مليون دولار في العام الماضي، ستواجه انخفاضا حادا إذا تم تقييد أو منع إيران من استيراد الأجزاء التي تستخدم فيها. لكن الضربة الأقوى ستكون لصناعة الطاقة والتي ستأتي في وقت تحتاج فيه حقول النفط الإيرانية القديمة إلى استثمارات ضخمة وتكنولوجيا جديدة من أجل الاستمرار في الإنتاج.

وما يثير الدهشة في كل هذا هو أن النظام ما زال غير قادر على الاتفاق على تحليل ورؤية مشتركة للوضع، ولا يبدو أن لديه أي استراتيجية لإنهاء العقوبات أو التقليل من أثرها. قبل أربع سنوات، وصف أحمدي نجاد إدارته بالقطار المنطلق للأمام من دون مكابح ولا أداة لإعادته إلى الخلف. ويبدو الآن أنه كان محقا. لكن السؤال الوحيد هو ما إذا كان قطاره هذا يتجه نحو كارثة أم لا.