عبد العزيز المقالح

كان واضحاً منذ الأيام الأولى للغزو الأمريكي لكل من العراق وأفغانستان أن الهمّ الاقتصادي يشكل الهدف الرئيسي والدافع وراء الخروج على كل الأعراف والمواثيق الدولية، وأن احتلال هذين البلدين لم يكن لوجه الديمقراطية ولا لإنقاذ شعبهما من خطر الدكتاتورية، وما تناقلته الأنباء في الآونة الأخيرة عن أرض العراق التي تقوم فوق بحار من النفط يفوق في كمياته ما في أي مكان آخر من هذا السائل الذهبي، وما تناقلته الأنباء أيضاً في الوقت نفسه عن الكميات الهائلة من المعادن النفيسة في أفغانستان، كل ذلك يفضح بجلاء أهداف الغزو الذي أعطته الإدارة الأمريكية السابقة صفة الإنقاذ والسعي إلى إيجاد نماذج للديمقراطية تكون قدوة لشعوب المنطقة الرازحة تحت أنظمة عتيقة وتقليدية لا تؤمن بحقوق الإنسان .

ويمكن لنا الآن أن ندرك أن الاقتصاديين الأمريكيين وليس الساسة هم الذين خططوا لحرب العراق وأفغانستان وشاركوا مباشرة في احتلال هذين البلدين، بعد استشراف هؤلاء الاقتصاديين لبوادر الأزمة المالية الراهنة التي صارت تلف العالم الآن، بعد أن ضربت الولايات المتحدة في الصميم، وكان تأثيرها في حياة مواطنيها مختلفاً عنه في أي مكان آخر من العالم نظراً لما كان المواطن الأمريكي يتمتع به من مظاهر البذخ والرخاء، ولا شك في أن المعلومات التي توفرت لدى الاقتصاديين الأمريكيين عن العراق وأفغانستان قد جعلتهم يشجعون السياسيين على المغامرة وعلى تجاوز الأمم المتحدة وتجاهل القرارات الدولية والمسارعة في القفز إلى المجهول .

ولكن ماذا تقول المؤشرات الراهنة؟ وهل ستفوز الولايات المتحدة بنفط العراق وذهب أفغانستان؟ وهل سيصدق معها المثل السائر، تجري الرياح بما لا تشتهي السفن؟ أغلب الظن، وهو ظن قائم على دراسة الواقع ومعطياته، أن الولايات المتحدة لن تخرج من احتلال العراق وأفغانستان ومن حربها العنيفة التي خاضتها وتخوضها في هذين البلدين إلا بمزيد من الخسائر في الأرواح والأموال، وأنها قد تقبل في وقت قريب من الغنيمة بالإياب، فقد أثبت الشعبان العراقي والأفغاني أن لحمهما مر، وأن وصول القوة العظمى إلى ثروات المريخ أقرب من وصولها إلى ثروات هذين البلدين المتمرسين على المقاومة ومواجهة الشدائد بصبر عظيم وشجاعة نادرة .

لقد وصل الحال بحلفاء العراق إلى الفرار، ولا تختلف الحال كثيراً عن وضع حلفاء الحرب على أفغانستان لاسيما بعد الضغوط التي تمارسها الشعوب التي تشارك حكوماتها في هذه الحرب التي لا معنى لها سوى مزيد من نزيف الدم اليومي، وزيادة معدلات الكراهية وتراكماتها بين الشعوب .

ومن يتابع ما تكتبه الصحافة الأمريكية والصحافة الأوروبية يدرك مدى الشعور بالقلق من استمرار هذا النزيف الدموي لا لهدف نبيل أو لموقف إنساني شريف، وسوف تتصاعد الضغوط وتشتد في الفترة المقبلة وعندها قد تجد الولايات المتحدة نفسها في طريق العودة دون أن تحقق ما هدف إليه قادتها الاقتصاديون والسياسيون في لحظة جنون وحسابات طائشة، ولن تزداد أزمتها الاقتصادية إلا استفحالاً وخطورة .