محمد صالح المسفر

منذ بداية هذا العام وقطر تحتل صدارة الإعلام العربي والدولي المسموع والمقروء والمشاهد، حركة دبلوماسية قطرية دؤوبة، جهود مكثفة وصلت إلى نتائج إيجابية في لبنان، واليوم جهود تسابق الزمن للوصول بقضايا السودان إلى نهايتها التي تؤدي إلى خير السودان وأهله، مساع حميدة من أجل اليمن واستقراره وسعادة أهله، وكذلك الصومال، وجيبوتي وإريتريا وجزر القمر، جهود للجمعيات الخيرية القطرية من غزة إلى لبنان إلى البلقان إلى إفريقيا إلى جنوب شرق آسيا.
في اليمن طُلبت (بضم حرف الطاء) الجهود الدبلوماسية القطرية لمواصلة مسيرتها في التوسط بين كل الفرقاء في الساحة اليمنية من أجل يمن سعيد، رحبت كل الأطراف اليمنية بالدور القطري بقيادة سمو الأمير الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، يقول متحدث من الفريق الحوثي quot;بصمات قطر بصمات أمن وسلام واعمار وخيرquot; وهذه شهادة من طرف معارض للنظام السياسي القائم في صنعاء وما قاله رجال النظام الصنعاني في دور قطر يشرف القائلين والقطريين على حد سواء.
لقد عبرت عن سعادتي وسعادة الكثيرين من المهمومين بالشأن اليمني بالاتفاق الذي تم بين الحزب الحاكم واللقاء المشترك عقب زيارة سمو الأمير إلى صنعاء في الأسبوع المنصرم، ويقدر كل الشرفاء دعوة الرئيس على عبدالله صالح جميع الأطراف باعتبار اليمن وطنا للجميع وليس ملكا للسلطة السياسية أو المعارضة، وأنه أصدر عفوا عاما عن جميع المعتقلين السياسيين سواء في المحافظات الشمالية أو الجنوبية، وقرأنا بيان النائب العام حول هذا الموضوع وقلنا هذه خطوة هامة لطمأنة الناس في اليمن على صدق نوايا النظام السياسي بقيادة الرئيس على عبدالله صالح.
اليوم تفيد بعض التقارير والبيانات من بعض الأحزاب اليمنية بأنه لم يطلق سراح أي معتقل رغم تكرار بيانات السلطة السياسية. والحق أنه إذا لم يطلق سراح المعتقلين كلهم وتنفيذ العفو العام الرئاسي فإن النتيجة ستكون فقدان الثقة في كل ما يقال رسميا، ومن هنا نتمنى أن تغلق جميع أبواب السجون في اليمن وكل الدول العربية وتحويلها إلى مؤسسات اجتماعية ومدرسية، إلا السجون التي تضم بين جدرانها الفاسدين والعابثين بالمال العام، والمجرمين، والخونة لأمتهم ووطنهم، وتجار المخدرات، ومن في حكمهم.
إن أمتنا العربية الحريصة على وحدة اليمن تتطلع إلى تسريع عملية الإنجاز السياسي الذي تم التوافق عليه حتى يتفرغ الشعب اليمني لجهود التنمية والنهوض باليمن ليكون بين مصاف الأمم المتقدمة. إن اليمن في حقيقة الأمر ليس في حاجة إلى مساعدات مالية، لأن اليمن يملك ثروات ضخمة لم تستغل حتى الآن، وأن الديار اليمنية كلها تشكل متحفا طبيعيا يستقطب السياحة العالمية ومورد السياحة تقدر بالمليارات إذا أحسن تنظيمه، وأهم دعائم استقطاب السياح هو الأمن والأمان للسائح.
اليمن يتميز بتعدد مناخه وتعدد إنتاجه الزراعي ورخص اليد العاملة إلى جانب الآثار التاريخية كل تلك العوامل مشجعة لاستقطاب ملايين السياح على مدار العام. لكن مع الأسف الشديد الدولة لم تتفرغ لهذه الثروة والاستثمار فيها، وأشغلت نفسها بقضايا أخرى على مدى 38 عاما، لم يعمل النظام السياسي الجمهوري طوال فترة حكمة على ترسيخ مفاهيم الدولة عند المواطن، وبقيت القبيلة هي الفاعل على الساحة اليمنية، ويعتقد الكثير من المراقبين والمتابعين للشأن اليمني بأن التنافر والتنازع القبلي يصب في مصلحة النظام بل إن البعض يعتقد أن أفرادا في النظام القائم وراء تلك الأزمات القبلية التي تحدث من حين لآخر وعلى ذلك لا يفعل النظام شيئا تجاه العبث القبلي باستقرار اليمن. الشاهد على ذلك ما يحدث في المحافظات الشمالية (صعدة وعمران والجوف، وما جاورها) بعد مرور أقل من عشرة أيام على اتفاق الحزب الحاكم وأحزاب المعارضة على تفعيل اتفاق فبراير 2009، تفجرت الأوضاع في المحافظات الشمالية ولا يعلم نهاية تلك الأحداث المؤلمة إلا الله والرئيس علي عبدالله صالح.
(2)
لم تقف الجهود القطرية بقيادة سمو أمير البلاد المفدى الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني عند الحدود الجغرافية للوطن العربي الكبير بل تعدت تلك الحدود من أجل تقوية العلاقات العربية مع دول البلقان بهدف الوقوف إلى جانب قضايانا القومية، صحيح أن هناك مصالح للدولة القطرية في توسيع دائرة اتصالاتها، لكن الهموم العربية على رأس محادثات سموه مع الدول غير العربية.
كانت زيارة سمو الأمير الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني لمنطقة البلقان (جمهورية سلوفينيا، وجمهورية البوسنة والهرسك) لها أهمية خاصة فإلي جانب العلاقات الثنائية، كان هناك هم عربي لابد أن تسمعه قيادات البلقان وآخرون، ذلك الهم يتمثل في المسألة الفلسطينية وما يحيق بالشعب الفلسطيني من معاناة وتهجير وحصار وقتل، وما يتعرض له العراق من عدم استقرار الأمر الذي يؤثر على أمن منطقة الشرق الأوسط والعالم على السواء، وكذلك السودان الذي يواجه مؤامرة التقسيم والتفتيت وملاحقة رئيس الجمهورية من قبل ما يسمى quot;محكمة الجنايات الدوليةquot;.
البلقان منطقة تجاذب بين الروس والأوروبيين والأميركان من ناحية وكذلك إسرائيل، وإيران ترمي بكل ثقلها في تلك المنطقة (البلقان) مستخدمة الدين كمدخل لها في منطقة البلقان، ومن هنا تأتي أهمية زيارة الزعماء العرب لهذه المنطقة كي لا تكون منطقة لا وجود للعرب فيها.
إن زيارة أمير دولة قطر وفي معيته حرمه سمو الشيخة موزة بنت ناصر المسند التي ولت وجهها نحو مراكز التعليم والتراث ومراكز الأبحاث العلمية في الدولتين المشار إليهما أعلاه تأتي هذه الزيارة مكملة للجهود السياسية التي يقوم بها أميرنا حفظه الله ورعاه كل منهما في حقل اختصاصه.
آخر القول: أتمنى من كل قلبي أن يتوافد القادة العرب تباعا إلى تلك المنطقة من العالم (البلقان) لأهميتها السياسية ولوجود إسلامي هو اليوم مطرح التجاذب، فهل هم فاعلون؟!.