عبدالله محمد العلويط

يحاول التيار الديني الحفاظ على الفتاوى المألوفة عن طريق رمي الفتاوى التي استجدت مؤخرا بالشذوذ، مع أن مصطلح الشذوذ يطلق في الأدبيات الإسلامية على ما كان مخالفا لدليل صريح لا يقبل التأويل، ولكن مع كثرة الاختلافات التي لم يعتدها ذلك التيار بدأ المصطلح يسير في غير مساره الحقيقي حيث انتقل من كونه أداة تقييم للقول ليصبح أداة تقييم للقائل فالشخص هو المقصود أكثر من القول مع أنه في السابق لم يكن صاحب القول الشاذ مرفوضا كشخص وإنما القول يوصف بالشذوذ وأنه لا يعد ذا ثقل في المسألة مع اعتبار شخص قائلها ووضعه في مكانته الحقيقية، إضافة إلى أن هذا المصطلح لا يكون إلا مع رفضه من قبل جميع الاتجاهات الفكرية والفقهية، أما كون هناك نظرة واحدة مسيطرة فلا يمكن أن نطلق الشذوذ على كل ما خالفها لأنه سيؤدي إلى استخدامه بشكل كبير ومن ثم ذوبانه وضعف فعاليته مع أننا قد نحتاجه مستقبلا حاجة حقيقية لا توظيفية وذلك في حال انتشار الفتاوى الشاذة بالفعل والتي تصادم النص غير المحتمل أو العقل الصريح أو الفطر السليمة، فنجد أنفسنا وبسبب تمييع هذا المصطلح لا يمكننا استخدامه لمنع تلك الفتاوى الغريبة لأنه لحق بكل المصطلحات التي لم يعد الناس يأبهون بها بسبب ابتذالها وتمييعها كسد الذريعة والفتنة والتحوط والمفسدة فلا نريد أن نكرر نفس الخطأ مع مصطلح الشذوذ فلا بد من ترشيد استخدامه وعدم إطلاقه إلا على الفتوى الشاذة بالفعل، فالاختلاط المنضبط وجواز الموسيقى وعدم وجوب صلاة الجماعة ليست من الشذوذ بل هي الراجحة بالفعل وإن لم تكن راجحة فهي مرجوحة ولكنها ليست شاذة، والنظر لها لا يكون من زاوية الشذوذ والغرائب وإنما من زاوية التوفيق بين فتاوانا المحلية وفتاوى بقية العالم الإسلامي وكيف نجمع بينها عند المتلقي.
إن هناك كوامن في كتب الفقه بل والحديث ينطبق عليها الأثر القائل quot;حدثوا الناس بما يعرفون أتحبون أن يكذب الله ورسولهquot; وأنه لا يمكن للمتخصص البوح بها لأنها تسيء للشريعة ولا نتمنى أن تظهر ولكن مع سهولة العثور على تلك الغرائب بسبب التقنيات الحديثة ومع تعدد الفضائيات والمنتديات التي تنشرها ومع عدم وجود تحديدات للباحث الشرعي أو العالم فإنه بالإمكان إثارة مثل تلك الجزئيات الكامنة وعمل زوبعة إعلامية سواء كانت مقصودة أو غير مقصودة، ولذا لا بد من وضع محددات حقيقية لمعنى الشذوذ في الفتوى فهذه المحددات الفكرية العلمية هي ما يقضي عليها لا الاعتماد على أشخاص علماء بعينهم نوصي بالرجوع إليهم لأنه مع مرور الزمن لن تصبح الفضائيات مجالا لنشر الفتوى فحسب بل ستصبح هي من يصنع الفقيه نفسه فلم يعد الأمر كما كان في السابق حينما كان الفقيه يصنع بالتزكيات الداخلية الفئوية الضيقة المعروفة حاليا بل وسيصبح هو المرجع لدى العامة وسيعتمد على الإثارة أكثر من التأصيل.
إن هناك من يجعل معيار الشذوذ من عدمه هو مخالفة الإجماع أو السلف وإن هذا هو ما يمكن أن نواجه به أصحاب الفتاوى الغريبة، والحقيقة أنهما ليسا معيارين حقيقيين ليس للاختلاف حول كونهما مرجعين فحسب بل لأنه لا يمكن ضبط معانيهما مما أدى إلى حدوث تضاربات وتناقضات شديدة فمن يقول هذه الفتوى خالفت الإجماع فهي شاذة ينطبق عليه هو نفسه مخالفة الإجماع في جواز كشف وجه المرأة فبمعياره هو يصبح وجوب النقاب قولا شاذا لأن مجيزي الغناء ولو بموسيقى كنسبة مقارنة بالمحرمين مساوية لنسبة من أوجب غطاء الوجه مقارنة بالمجيزين وكل ذلك لأن هذين المصطلحين (quot;الإجماع والسلفquot; لا يطبق عليهما كافة شروط الاستدلال بهما وإنما يكتفى بالكثرة في الحالة الأولى أو الوجود التاريخي في الحالة الثانية خاصة إذا كان ممعنا في القدم ليحدث، وفي حال الاستمرار على هذا المنوال فإن الإجماع أو السلف يصبحان أدوات استخدام أكثر من كونهما مناهج استدلال بل إن هذه المعايير البشرية كأعداد لمعرفة الشذوذ تتعارض مع فكرة جماعة الإسلام والتي لا تعتمد الكثرة في وجودها عند من يقول ذلك كما في الأثر الوارد عن ابن مسعود quot;الجماعة ما وافق الحق وإن كان واحداquot; فهل سيصبح مجيز الغناء أو مجيز ترك الصلاة في المسجد هو الواحد الذي يمثل الجماعة والذي يكون على حق أم هو ذلك الضال الذي خالف الإجماع والسلف.