سامي ناصر خليفة


عندما يفقد الإنسان ثقته بدولة القانون الذي يحميه ويحفظ له حقوقه، فإنه من الطبيعي أن يتجه إلى القبول بمنطق الفوضى الخلاقة التي يلتجأ فيها إلى عناوين أخرى ضامنة ومحققة لمصالحه الخاصة، كالعائلة أو القبيلة أو الطائفة أو العرق أو الحزب. وتلك المسلّمة هي سنّة من سنن الحياة لا اختلاف حولها. وقد يحصل الإنسان على مبتغياته التي يسعى إليها من خلال الفوضى في ظل غياب دولة الدستور واحترام القانون، ولكن بالتأكيد هناك مجموعة من الأضرار الخطيرة التي ستطرأ على البيئة الاجتماعية لتتعزز مع مرور الوقت ثقافة سلبية يرثها أجيال بعد أجيال.
من تلك الأضرار انتهاك القيم الاجتماعية والمبادئ والمُثل المستمدة من أعراف الأجيال السابقة وعاداتهم وتقاليدهم المحافظة وعقيدتهم السمحة، فيتجه الإنسان نتيجة لذلك إلى المجهول الذي يفقده الراحة والطمأنينة والسكينة، ناهيك عن غياب البعد الأخلاقي الذي سيؤدي بطبيعة الحال إلى فشل المجتمع وانتشار الأمراض النفسية والاجتماعية فيه، حينها يمكن القول انها بداية السقوط في الهاوية. ولنا في التاريخ الحديث والقديم الكثير من الدروس والعبر، حيث سقطت أمم وانتهت، لأنها فقدت أخلاقها، وتلاشت مجتمعات وانهارت لأنها أصبحت بلا قيم حميدة، ولا ثقافة إيجابية ولا مبادئ قويمة.
نقول ذلك ونحن نرى بأم أعيننا كيف يلجأ المواطن هنا في الكويت بالغالب الأعم، وللأسف الشديد، إلى مسميات فئوية ضيقة كالقبيلة أو العائلة أو العرق أو الطائفة بدلاً عن التزامه القانون لتحقيق مصالحه الشخصية، وما يؤسف أن الأمر وصل إلى كل المستويات بصورة لم تعد تستطيع أخي القارئ أن تضع مؤشراً لقياس حجم المشكلة التي في نظري استشرت لتصبح معضلة يستعصي حلها بسهولة.
والأدهى والأمر من ذلك أن تلك الأمراض المجتمعية يتم تغذيتها من قبل قوى المجتمع المدني والحكومة معاً. وهذا هو مربط الفرس وبيت الداء الذي يحتاج إلى وقفة تأمل وتدبر. فلا يعقل أن تفتح مؤسسات القطاع العام أبوابها للواسطة غير المستحقة والمحسوبية غير المبرّرة، فتقرب البعيد وتبعد القريب، ولا يعقل أيضاً أن تتجه القوى السياسية في المجتمع إلى اصطفافات قبلية وطائفية وعائلية وعرقية كثوب تتعامل فيه مع القانون، تلك القوى اليوم التي لبست ثوباً عقدياً أو فكرياً ثم قرّرت الدخول في معترك العام العام. ولا يعقل أيضا للمعارضة الشعبية اليوم أن تلتجأ إلى القبيلة أو الطائفة كي تمارس ضغوطا سياسية على الحكومة وغيرها من أجل الكسب الآني والرخيص لفئة أو مجموعة على حساب بقية فئات المجتمع الأخرى.
لذا... لابد من دق ناقوس الخطر ووضع تلك المعضلة أولوية على رأس جدول أعمال السلطتين، لأن أخطر ما في الأمر ترك الأمور على ما هي عليه دون التصدي السليم للمعالجة ودون أن يسبق ذلك إدراك كامل بخطورة عدم المعالجة. فالمجتمع اليوم في أغلبه بات يعيش ضمن تلك الاصطفافات، ولابد من حملة توعوية تبدأ فيها الحكومة والمجلس بنفسيهما أولاً، ثم بالآخرين، لتكونا عبرة حقيقية وقدوة للآخرين. حينها يمكن القول اننا بدأنا نسير في الاتجاه الصحيح الذي يجعل الكويت اسماً على مسمى.