زهير فهد الحارثي

ليس سرا في أن هناك تدهوُرا في العلاقات ما بين حركة المقاومة الإسلامية quot;حماسquot; والقاهرة، ووصل الأمر إلى التراشق الإعلامي بينهما، لا سيما أن التوتر بين الطرفين زاد بعد تصريحات القيادي في حركة حماس محمود الزهار بأنه لن يزور مصر إلا بعد أن تتغير الظروف، فضلا عن quot;الانتقادات الدائمة للورقة المصريةquot;. وكانت الخارجية المصرية شنّت هجومًا على حماس وعلى القيادي الزهار بعد تصريحاته التي انتقد فيها وزير الخارجية المصري، واعتبرت مصر تصريحاته quot;مستفِزَّةquot;. في حين ردَّت حماس بالقول: إن الهجوم عليها يوضح quot;الفشل المصري في رعاية ملف المصالحة الفلسطينيةquot;، وأن دور القاهرة quot;لم يكن حياديًّا وإنما تصعيديًّا ضد قيادة حماسquot;.

من البدهي انه عندما تقبل أية حركة سياسية الاشتراك في العمل السياسي، فإنها بذلك تنتقل من مرحلة الفكر والتنظير إلى مرحلة الممارسة العملية والتطبيق، وبالتالي فإنها قبلت بقواعد الممارسة السياسية وبمنطق اللعبة الديمقراطية. ولكن يبدو أن هذه الرؤية لا تنطبق على حماس

على أن البعض يرى أن القاهرة شعرت بأن هناك محاولات تسعى لسحب ملفّي المصالحة وتبادل الأسرى (صفقة شاليط) من يدها،ضمن مخطّط يهدف لإضعاف دور مصر إقليمياً، ترعاه دولتان في المنطقة، بدليل ما أعلنه الرئيس الفلسطيني محمود عباس، من أن قيادة حماس طلبت من حركة فتح توقيع اتفاق المصالحة خارج مصر ، وهناك تسريبات إعلامية تشير إلى أن القاهرة متوجسة من تنامي علاقات حماس مع طهران،على حساب الدور المصري في الملف الفلسطيني. وأشار البعض إلى أن ثمة ضغوطا من طهران وبضوء اخضر من دمشق في الطلب من حماس ،بتوقيع اتفاق المصالحة خارج مصر، وتحديدا في الدوحة.

بينما اعتبرت حماس أن سبب التعثر في جهود المصالحة الفلسطينية هو quot;نتيجة رفض مصر التعامل مع مساعي الأمين العام عمرو موسى فيما توصلت إليه معه من مقترحات quot;. في حين أشارت مصادر إعلامية إلى أن القاهرة رفضت أن quot;توقع (حماس وفتح) على ورقة التفاهمات قبل توقيع حماس على ورقة المصالحة التي أعدتها مصر أو أن تكون التفاهمات جزءا من الاتفاقquot;. وأضافت إلى أن القاهرة ترى أن ملاحظات حماس يمكن أن تؤخذ عند التطبيق لكن حماس ترى في ذلك مخالفة صريحة للاتفاق.

على أن المقام هنا ينزع لقراءة موضوعية ، ولذا لا احد يزايد على دور مصر واستشعارها مسؤوليتها التاريخية تجاه إخوتنا الفلسطينيين، مما يجعلنا نقر بان تعاطي حماس مع القاهرة تجاوز حدود اللياقة ، وهمش الجهد المصري في دعم المصالحة ، ولا يوجد تفسير منطقي للتصعيد الحمساوي، إلا إذا أدخلناه في إطار التدخل الإقليمي وتأثيره بمحاولة سحب البساط من القاهرة رغم نفي حماس لذلك.

إن إضعاف دور القاهرة سيقود حتما إلى خفت توهج صوت حماس ، لأنه لا بديل لمصر في هذه المسألة، فضلا انه لا يوجد من يمتلك مقومات القاهرة وتوازنها في المنطقة سواء في علاقتها مع إسرائيل أو مع الأطراف الفلسطينية . والكل موقن بان حالة الانقسام في الساحة الفلسطينية ساهم في إضعاف القضية على الساحة الدولية وبالتالي ثمة ضرورة في تغليب المصلحة العامة من خلال الانخراط في التوقيع على الورقة المصرية

وجاء هذا السيناريو المخجل في وقت يعاني فيه الفلسطينيون من عزلة دولية خانقة وحالة من الفلتان الامني وجمود في المفاوضات. على ان الواقع يرى انه منذ انقلاب حماس في غزة، تحول المشهد الفلسطيني إلى حالة من التوتر والتراشق اللفظي فضلا عن الأمني، ، فأصبح الوضع الفلسطيني الداخلي يشي بعدم وجود نقاط التقاء، حيث تغلبت المصالح الفئوية والحزبية على المصالح الوطنية العليا وكأنما هناك تنازع قوي على استحواذ السلطة.

من البديهي انه عندما تقبل أية حركة سياسية الاشتراك في العمل السياسي، فإنها بذلك تنتقل من مرحلة الفكر والتنظير إلى مرحلة الممارسة العملية والتطبيق، وبالتالي فإنها قبلت بقواعد الممارسة السياسية وبمنطق اللعبة الديمقراطية. ولكن يبدو أن هذه الرؤية لا تنطبق على حماس.

تقول المادة 13 من ميثاق حماس laquo;تتعارض المبادرات وما يسمى بالحلول السلمية والمؤتمرات الدولية لحل القضية الفلسطينية مع عقيدة حركة المقاومة الإسلامية، فالتفريط في أي جزء من فلسطين تفريط في جزء من الدينraquo;. وعندما نتأمل هذا النص، نجد أن الحركة ادلجت الدين ليكون حلا للازمة أو ما يسمى بنظرية التحدي والاستجابة، فهي تنتمي إلى حركات الإسلام السياسي، وتمارس الآن فعلا سياسيا، فالسؤال المطروح هنا: هل رؤيتها السياسية في تحديد المصلحة يأخذ في الاعتبار الوضع الداخلي والإقليمي والدولي؟

وهنا يحضرني ما قاله احد نواب البرلمان اللبناني، وهو من laquo;حزب اللهraquo;، عندما سئل عن عدم استخدامهم للخطاب العقائدي في البرلمان وما هي طريقة فهمهم لصيغة ما يسمى في الفقه (المصالح والمفاسد)، قال laquo;الدخول في البرلمان يخضع لرؤيتنا السياسية في تحديد المصلحة ولا يخضع من الناحية السياسية الى المواقف المبدئية لأن المواقف المبدئية حركة في الفكر والعقيدة، وليس في الواقع، فالأولى (المواقف المبدئية) غير خاضعة للظروف، والثانية (الرؤية السياسية) خاضعة للظروف، خاضعة للمصالح والمفاسد. ان تحديد المصلحة في النهاية هو عملية بشرية وليس عملية مبدأ. يعني ان الحركة الإسلامية هي التي تحدد المصلحة أو المفسدة في الواقع وليس الموقف المبدئيraquo;.

وقد تكون هذه الرؤية فاصلا في آلية التفكير بين حماس وحزب الله إلا أنها ليست مثار نقاشنا هنا.صفوة القول أن حركة حماس أصولية في أسسها النظرية والفكرية ولكنها ذات منحى سياسي بحيث جعلت من الجوانب الأخرى من ثقافية ودينية وفكرية في أدنى مرتبة، وهنا تكمن الإشكالية، حيث أنها تدعي المرجعية الدينية وخطابها سياسي بحت.

ورغم أنها جاءت للسلطة قبل الانقلاب عبر صناديق الاقتراع وانتخابات نزيهة وتأييد شعبي،إلا أن الإشكالية تكمن في تناقض خطابها وممارستها العملية والواقعية، فالمشروع والبرنامج السياسي شيء، وممارسة الفعل السياسي شيء آخر. وهو ما جعل البعض يقول بان الحركات الإسلامية (السياسية) تعاني من ضآلة المنتج الفكري، مقارنة بالانتشار الشعبي، وهذا يتضح أمام تحدي الممارسة السياسية، حيث تقتضي غالبا اتخاذ مواقف قد لا تتناغم مع المرجعية الفكرية.

ان أسلوب حكومة حماس يعقد من الوضع القائم، ويجعل السلطة الفلسطينية برمتها في مأزق، وبالتالي هي معنية اليوم أكثر من أي وقت مضى، بأن تراجع طروحاتها، وثمة فارق بين الطرح الدعوي والطرح السياسي، وذلك لأن ساحة العمل السياسي له منطقه الذي تفرضه على أية قوة سياسية،ولذا فعقلنة السياسة، هو المطلوب من اجل ممارسة واعية وواقعية تغلب المصالح العليا للشعب الفلسطيني، وهو ما نرجوه الآن بالفعل!!