ظافر محمد العجمي


يقف فخامة الرئيس علي عبدالله صالح من حرب الحوثيين السابعة التي بدأت في 15 يوليو 2010، وهو يضع قدما في القرن التاسع عشر، وقدما في القرن الحادي والعشرين، فيستخدم سياسة بريطانيا القديمة بجعل بدوي يطارد بدويا آخر. فلأن بني عزيز فخذ من قبيلة ولد سفيان بن أرحب بن بكيل، وديارهم شمال حوث في صعدة، فقد أرسلهم الرئيس بقيادة النائب صغير حمود أحمد عزيز، عضو حزب المؤتمر الشعبي الحاكم، للاشتباك مع الحوثيين، وفي هذا المنحى قام صالح بدور الحكم المحايد ليس بقوات الحكومة وسلطاتها كما في الدول ذات السيادة، بل عبر مساعٍ قبلية بذلها مشايخ من بكيل في محافظة مأرب، بعد أن خلف القتال ما يزيد على مائة قتيل ومئات الجرحى.
القدم الأخرى تتمثل في رغبة الرئيس صالح في جولة صراع أخرى مع الحوثيين تكون هي الحاسمة، متناسيا الجراح التي تثخنه من الجولة السادسة والانشغال مع الحراك الجنوبي ومطاردة خلايا القاعدة. فقد ذهب إلى موسكو وحصل على وعود بأسلحة ثقيلة، مما يجعل وقت قيام الحرب السابعة بزخمها الحقيقي في منتصف أو نهاية الخريف بعد وصول الدعم الذي يريده.
إن خطورة ما يجري من أحداث تتمثل في حقيقة الفشل العسكري الذي نجحت قوات صالح في إخفائه بعد الجولة السادسة قبل ستة أشهر، حيث ادعت صنعاء أن موافقة الحوثيين على شروط وقف القتال الستة قد تمت لأن قواتها قد كسرت شوكتهم.. فكيف عادوا بهذه القوة؟ وكيف عاد الرئيس صالح إلى التذمر من غياب الالتزام الحوثي الكامل بالنقاط الست، خصوصاً إنهاء المظاهر المسلحة وإنهاء التدخلات في شؤون السلطة المحلية؟ مما يعني أنه قد تركهم بأسلحتهم في الشوارع رغم هزيمتهم يديرون أمور السلطة من جبي الضرائب إلى تنظيم السير.
إن من الحقائق المروعة على خارطة اليمن الشقيق، أن معدل الفقر في اليمن كانت نسبته ترهق %35 من عدد السكان في عام 2006، ثم وصل إلى %43 في عام 2009. ويعيش %70 من الأطفال في اليمن في حالة فقر مدقع، وهم %50 من عدد السكان. كما يذهب %70 من الماء في اليمن لزراعة القات. ويمثل أهل السنة %70 من السكان تحكمهم الأقلية الزيدية التي تنقسم إلى فريقين متناحرين، هما الزيدية القبلية، والزيدية الهاشمية، التي تنقسم بدورها إلى الأسرة الملكية والحوثيين الهاشميين الذين يحاولون استعادة نفوذهم في صنعاء من صعدة شمالا. وفي الجنوب يحاول 3 ملايين نسمة النفخ في حراك قد يُخرجهم من النفق الذي دخلوه.
كما أن من الحقائق المروعة، أنه على بعد بضعة أميال من بؤرة الشقاء تلك، يصنف الشعب الخليجي كأغنى تجمع بشري في العالم، بمتوسط دخل للفرد يصل في بعض أطراف الخليج العربي إلى أكثر من 28000 ألف دولار سنوياً، بينما يصنف اليمن ضمن البلدان الأقل نمواً في العالم. وللفرار من مستقبل يقودهم لما هو قائم في الصومال حاليا، لن يجد جيل الشباب القادم خلال خمس سنوات بُدّا من نقل معركة الحياة والموت إلى مسرح يسمح لهم بحرية المناورة، سواء كانوا من الحوثيين أو الحراك أو المؤمنين بفكر القاعدة، وما ذلك المسرح إلا الخليج والجزيرة العربية، حيث لم يأتِ عدم الاستقرار هناك بسبب الطبيعة الجبلية وتوفر السلاح فحسب، بل لتوفر المقاتل الحانق على ما حوله، وهو محيط يستفزه بسلبيته ويمتد على ضفاف الخليج والبحر الأحمر.
إن حجم الحروب يتمثل بعدد الأطراف المشاركة فيها، لا بطولها ولا بعدد ضحاياها. فقد كانت الحرب العراقية الإيرانية ذات الثماني سنوات والمليون قتيل من الحروب المنسية، لمحدودية الأطراف المشاركة فيها، بينما تقول مؤشرات عدة إن الحوثيين -وهم جماعة قليلة معزولة في الجبال- لم تصمد هذه الفترة الطويلة وتَخُضْ ست حروب وتتهيأ للسابعة إلا بمساعدة خارجية وتدخل أطراف عدة في صعدة. وها هي المعارك تتجدد كل ستة أشهر، مما يجعل تحول اليمن إلى صومال آخر أمرا واردا جدا في وجود سلطة مركزية ضعيفة، حيث سيكون من تبعات ذلك تحوله إلى نقطة تجاذب إقليمية، سيتبعها بالضرورة تدخلات دولية لهدم جسر الدمار الممتد رأسه لمنابع النفط التي يعني الاقتراب منها في القاموس الغربي تهديد الأمن والسلم الدوليين. وفي هذه الظروف ليس من المستبعد أن تعوّض الولايات المتحدة الاستنزاف الذي تتعرض له القوات الأميركية في العراق وأفغانستان بنصر سريع على جبهة أخرى، وتقوم بتدخل في اليمن يشبه مغامرتها الدموية في الصومال عام 1992.
وقد لا يكون متوافقا مع المزاج الاستراتيجي الخليجي المعتاد على أن يغيب عن المبادرات ويتبنى ردود الأفعال، أن يلتفت بعين القلق والجزع لما يجري في اليمن الشقيق حاليا كشأن خليجي بالدرجة الأولى، حيث كان المزاج الاستراتيجي الخليجي -ولا يزال- يفشل في تفادي الوقوع في أسر بلاغة الخطاب الداعي إلى عدم التدخل في شؤون الآخرين، حتى وإن كانت الجمرة تحت أطراف أصابعنا. فهل تعوض منظومة قيمنا الأخلاقية لمساعدة الأشقاء في اليمن المزاج الاستراتيجي الخليجي؟