علي عيد ـ دمشق

كتبت الرياض ودمشق عنوانا عريضا في التضامن، حين انتقلتا بروح واحدة إلى بيروت في مهمة متسامية لنزع فتيل الخلاف، وتأكيد دعم وحدة لبنان واستقراره ومواجهة ما يحاك للمنطقة العربية برمتها من دسائس لإرباكها بالفتن الطائفية والمذهبية.

واكتست قمة بيروت الثلاثية أهمية خاصة لجهة الشكل والمضمون والنتائج. فقد حملت في بيانها إشارات قوية في العمق بدعمها استمرار نهج التهدئة والحوار وتعزيز الوحدة الوطنية ودرء الأخطار الخارجية ورفض استهدافه، بالتضامن معه في وجه تهديدات إسرائيل وخروقاتها، وتأكيد الحفاظ على أمن لبنان.

فقد وضح جليا أن لقاء العرب واستثمارهم السياسي المشترك، حقق منجزا في بيروت، وقبلها في دمشق. وأن خادم الحرمين الشريفين والرئيس الأسد وضعا السنوات التي سبقت قمة الكويت الاقتصادية وراءهما، باستغلال دمشق لمبادرة الملك عبد الله الشجاعة وإظهار الطرفين رغبة صادقة في العمل معا لما فيه خير شعبيهما وخير الأمة والمنطقة. لا مجاملة في مصالح العرب وأمنهم كما هو الحال في قضية أمن لبنان وسلمه الأهلي، هذا جوهر الرسالة التي وجهتها الرياض ودمشق من بيروت، ومن دلالات الوعي أن القمة أكدت الحفاظ على جميع الجهود التي بذلتها أطراف عربية، لأن التوافق على المستوى العربي والعمل المشترك شكلا المظلة العريضة للتوافق في لبنان خلال العامين الماضيين، فلم تتجاوز ثلاثية بيروت تأكيد دعمهم اتفاق الدوحة واستكمال تنفيذ اتفاق الطائف. وحدها قمة مثل هذه التي حصلت في بيروت، بإمكانها أن تخرج لبنان من دائرة العبث التي رسمت تفاصيلها قوى الخارج.

ليس فقط لبنان والقرار الظني ما حضرا في ذهن خادم الحرمين الشريفين والرئيس الأسد في دمشق وبيروت، بل مناح عربية شتى. والعمل لم يزل في خطواته الأولى، وأمامهما قضايا السودان وملفا دارفور والجنوب،الصومال الممزق، اليمن،إيران وملفها النووي وترتيب علاقتها، العراق وأزماته وتشكيل حكومته،وفوق هذا وذاك، فلسطين والانقسام والسلام ولعنة إسرائيل، وهي قضايا تشبه طوقا يهدد بأكثر من فتيل انفجار. طائرة سعودية حملت الزعيمين معا لتحط في بيروت، وكل الأمل بأن تحط مرات ومرات، وأن تجمع بين العرب وأن يكون لها في كل يوم مهبط من العمل المشترك والتعاون والتكامل.

انخراط الرياض ودمشق في تنسيق استراتيجي يدخل عمق قضايا المنطقة ويباشر علاجها من الداخل بهذه السرعة، مؤشر إلى أن الطرفين استثمرا فرصة التلاقي خلال فترة قصيرة في عمل جاد أنتج حكومة ناضجة في لبنان، ويتلمس خطى الحل في العراق، ويبني مقاربات سياسية منطقية بشأن السلام، ويعي الطريقة التي تدير بها قوى الخراب لعبتها، سواء بتغذية أتون الفتنة في لبنان، أو ابتزاز السودان في دارفور لتأمين انفصال الجنوب، أو التشويش على الاستراتيجية الرصينة التي تتبناها الدبلوماسية السعودية.

الإصرار على التنسيق والتضامن العربي والمباشرة السريعة باحتواء الالتهاب السياسي الحاصل في لبنان، إشارة واضحة على أن لدى الأطراف معطيات تكفي للتحرك دون تردد قد يترك فراغا يدخل منه غير أصحاب الشأن.