سركيس نعوم


جواباً عن سؤال: ماذا عن quot;اسطول الحريةquot; الذي سمعنا انه سيتوجه من لبنان الى قطاع غزة لكسر الحصار الاسرائيلي المفروض عليه؟ والذي طرحه احد اكبر النافذين في تجمّع لغالبية المنظمات اليهودية الاميركية، قلتُ: لا اعرف شيئاً عن هذا الامر، سمعت عنه هنا في اميركا. لكن هذه ليست المرة الاولى التي يحاول لبنانيون كسر حصار غزة من طريق البحر. فلماذا تستغرب؟ آخر مرة احتجزت اسرائيل السفينة وركابها وملاّحيها وحققت معهم واستخدمت العنف اثناء التحقيق. لا تقل لي ان انطلاق quot;اسطول الحريةquot; جديد من لبنان الى غزة ستتخذه اسرائيل حجة لشن حرب على لبنان او لتوجيه ضربة موجعة اليه.
ثم دار حديث عن القرار الدولي 1701 الذي صدر عن مجلس الامن بعد حرب 2006 وعن تعثّر تطبيقه لأسباب عدة لبعضها علاقة باسرائيل ولبعضها الآخر علاقة بلبنان أو بالوضع الاقليمي أو بمخاوف الدول التي ينتمي اليها جنود quot;اليونيفيلquot; وضباطهم، قال بعده بشيء من التهكم والسخرية: quot;سترسل اسرائيل quot;فلوتيلاquot; اي اسطول حرية الى الامم المتحدة للمطالبة باستعادة جنديها المخطوف من quot;حماسquot; في قطاع غزة جلعاد شاليطquot;.
ماذا لديك عن زيارة وزير دفاع اسرائيل ايهود باراك الحالية لواشنطن وعن زيارة نتنياهو المتوقعة لها وكذلك عن الزيارة التي قام بها رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس للعاصمة الاميركية؟ سألتُ: أجاب: quot;زيارة باراك تركّز على الامور العسكرية. وقد حققت حتى الآن نجاحاً مهماً اكثر مما هو محكى عنه او مكتوب عنه في وسائل الاعلام. اما بالنسبة الى زيارة تنياهو فقد صار معروفاً ان العلاقة بينه وبين الرئيس اوباما سيئة جداً. quot;فرطتquot; الامور بين الرجلين. طبعاً ولد ذلك تعاطفاً quot;عفوياًquot; من الكونغرس ترجمه 75 سيناتوراً او شيخاً بتوجيه رسالة الى أوباما تدعوه الى عدم الضغط على اسرائيل. اذا كنت لا تصدّق ما اقول عن quot;العفويةquot; والتعاطف فقد اظهرت استطلاعات رأي داخل اميركا ان 66 في المئة من المستطلعين يؤيدون اسرائيل. وأظهرت استطلاعات أخرى انتقاد اميركيين اوباما لسوء قيادته ولعدم قيامه بواجبه على نحو جيد. نأمل في ان تحقق زيارة نتنياهو لواشنطن شيئاً.
أصل الى محمود عباس فأقول لك ما تعرفه ويعرفه الجميع وهو انه ضعيف. يقول انه لا يُحرِّض على الاسرائيليين، لكن تصريحاته واضحة ومتشددة وخصوصاً بعد quot;الفلوتيلاquot; او quot;اسطول الحريةquot;. لقد كذب عندما صرّح امام اوباما انه لا يحرّض على اسرائيل. ربما اهميته ان لا بديل منه وان البديل الحاضر الآن اي quot;حماسquot; اسوأ منه بل بالغ السوء.
حصل اجتماع بين عباس وقادة منظمات وجمعيات يهودية اميركية فتحدّث اليهم بصراحة ودعاهم الى مساعدته والعمل الجاد من اجل انجاز حل الدولتينquot;. بعد ذلك تناول الحديث تركيا في ضوء تشددها quot;المستجدquot; لكن المتدرج في تشدده مع اسرائيل منذ وصول حزب العدالة والتنمية الاسلامي الى الحكم فيها. وتركّز على امور عدة منها مصير العلمانية التركية وكذلك الديموقراطية وتداول السلطة في حال احتفاظ الحزب المذكور بالسلطة بواسطة الانتخابات المقبلة. ومنها الوضع الداخلي التركي اذ يبدو قوياً من الخارج في حين ان فيه ثغرات مهمة مؤذية في حال استغلت من بعض المجتمعين الاقليمي والدولي. ابرز هذه الثغرات ثلاث: اقلية كردية كبيرة وأقلية علوية كبيرة لا مصلحة لها الا في استمرار العلمانية ومجموعات تركية سنّية لا تزال تؤمن بالعلمانية. وفي ختام اللقاء اعرب احد اكبر النافذين نفسه في تجمّع لغالبية المنظمات اليهودية الاميركية عن اعتقاده واستناداً الى ما سمعه من قيادات تركية معارضة ان امل العلمانيين في الفوز في الانتخابات التشريعية المقبلة موجود. لكنني لم اشاطره تفاؤله هذا.
ماذا في جعبة quot;اتراك نيويوركquot; اذا جاز هذا التعبير عن علاقة تركيا واسرائيل في ضوء حادث quot;اسطول الحريةquot; وتفاعلاته وعن علاقة تركيا واميركا في ضوء اختلافهما حول الموضوع الايراني ومبادرة الاولى الى اتخاذ مواقف مناقضة للثانية وخصوصاً في مجلس الامن؟
يقول قريب من هؤلاء ان قطع العلاقات التركية ndash; الاسرائيلية وارد. لكن اتخاذ قرار بذلك يتوقف على ما قد تفعله اسرائيل ويستوجب رداً كهذا. اما قطع هذه العلاقات في صورة نهائية اي الغاؤها فليس وارداً في رأيي على الاقل في هذه المرحلةquot;. سألتُ: لم تتوقع اميركا ان تصوّت تركيا معها اي مع مشروع العقوبات الدولية على ايران في مجلس الامن. لكنها توقعت ان تمتنع عن التصويت. غير أنها صوّتت ضد فرض العقوبات. لماذا؟ ماذا حصل؟ اجاب: quot;دعني اخبرك القصة من اولها. جرت حوارات عدة بين انقرة وواشنطن حول ضرورة ايجاد حل سلمي للمشكلة النووية الايرانية. وكان رأي تركيا ان العقوبات لن تحلّ هذه المشكلة. كما لن يحلّها العمل العسكري ضد ايران. وبالحوار يمكن التوصّل الى الحل السلمي المنشود. اظهر الرئيس اوباما انه يريد حواراً وحلاً سلمياً. ومد يد الحوار الى ايران. لم يكن رد ايران على مبادرته الايجابية ايجابياً او بالاحرى لم ترد، لا رئيساً ولا قيادة بأي شيء عملي. فجرى بحث بين القادة الاتراك واوباما حول ما اذا كانت تركيا تريد التدخّل في هذا الموضوع. تلّقت الحكومة التركية بعد ذلك رسالة خطية من الادارة (وربما من اوباما نفسه) اعطتها ومن خلال quot;مقطعينquot; واضحين جداً الضوء الاخضر للعمل مع ايران او للبحث معها او لإقناعها بالتجاوب مع دعوات الحوار الاميركية.
عملت تركيا وفي ظنها ان ايران لم تبدأ تخصيب الاورانيوم بنسبة 20 في المئة الا بعد اختلافها مع المجموعة الدولية خمسة زائد واحد (5+1). كان التفاوض التركي مع ايران صعباً وتحديداً مع وزير خارجيتها منوشهر متكي ومع جليلي وآخرين. توصلت تركيا الى اتفاق مع ايران، لكن قامت قيامة اميركا عليها وبدأت حملاتها عليها. واشتغلت على موضوع العقوبات وحققوا إجماعاً على ذلكquot;. قالت اميركا انها لم تكن ضد الاتفاق الذي وُقِّع بين تركيا والبرازيل وايران لكن يجب ان يوضع على طاولة البحث. وقالت ايضاً انها وضعت تسع ملاحظات خطية عليه لا بد من البحث فيها مع ايران سواء داخل الوكالة الدولية للطاقة الذرية او مع مجموعة الـ5+1. الا ان نجاد قال بعد ذلك: سنواصل التخصيب. هل بحث معكم في ذلك؟ سألتُ.