خيرالله خيرالله
هل في استطاعة الجانب الفلسطيني التفاوض مع بيبي نتانياهو في ضوء ما يسعى إلى فرضه عليه؟ الجواب بكل بساطة أنه يصعب عليه ذلك نظراً إلى أنه يريد من الفلسطيني التفاوض من أجل توقيع صك استسلام يتخلى بموجبه عن جزء من الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية. لذلك، يبدو بيبي مستعجلاً على معاودة المفاوضات المباشرة laquo;من دون شروط مسبقةraquo;.
في الواقع، يريد رئيس الوزراء الإسرائيلي، الذي يسعى إلى تكريس الاحتلال وتفادي قيام دولة فلسطينية laquo;قابلة للحياةraquo;، اعتراف الفلسطينيين بوجود غالب ومغلوب وبضرورة أن يفرض المنتصر شروطه على المهزوم. هذا ما يريده من دون أي مواربة مستفيداً من قناعة الإدارة الأميركية بوجوب العودة إلى المفاوضات المباشرة بين نتانياهو ورئيس السلطة الوطنية السيد محمود عبّاس (ابو مازن)، وذلك لأسباب أميركية قبل أي شيء آخر...
ما دام الرئيس باراك أوباما استسلم أمام بيبي نتانياهو، لماذا لا يستسلم محمود عبّاس بدوره أمام ما يراه رئيس الوزراء الإسرائيلي؟ ربما كان ذلك هو السؤال الذي يطرحه نتانياهو على نفسه يومياً، خصوصاً أن الأجواء في الشرق الأوسط مواتية هذه الأيام لإسرائيل، بعد كل ما فعله الأميركيون في العراق من أجل ضرب منظومة الأمن العربية عن طريق تفكيك هذا البلد الأساسي الذي يشكل إحدى الركائز الاساسية لهذه المنظومة.
من الناحية العملية، وفي حال كان على المرء أن يكون واقعياً، يبدو الفلسطينيون في وضع لا يحسدون عليه، رغم حصولهم على غطاء عربي، في حال شاؤوا العودة إلى المفاوضات المباشرة. في الواقع ليس في استطاعة العرب تقديم أكثر من هذا الغطاء في ظل التعقيدات التي تمر بها المنطقة. يكفي التفكير ملياً في الأخطار التي يمثلها العراق في الوقت الراهن للتأكد من ذلك. ما يشهده العراق لا يشكل خطراً على العراق نفسه فحسب، بل ان التجاذبات التي يشهدها البلد تشير أيضاً إلى أن العراق بات يشكل خطراً على كل المنطقة، خصوصاً الدول المحيطة به بما في ذلك تركيا وإيران.
المؤسف أن على الفلسطينيين القتال على غير جبهة... ولذلك، يطلب منهم نتانياهو الاستسلام من دون قيد أو شرط، والتخلي عن القدس نهائياً، وعن أجزاء من الضفة الغربية بما يرضي المستوطنين وأقصى اليمين الإسرائيلي الذي يمثله حالياً وزير الخارجية افيغدور ليبرمان الآتي إلى إسرائيل من مولدافيا، حيث كان يعمل حارساً عند باب أحد النوادي الليلية!
لعلّ المشكلة الأولى التي تواجه الجانب الفلسطيني هي مشكلة laquo;حماسraquo; التي تسعى كلّ يوم إلى إضعاف الموقف الفلسطيني وايجاد أسباب تستند إليها إسرائيل كي تبرر سياستها القائمة على ممارسة إرهاب الدولة. فـ laquo;حماسraquo;، عبر الشعارات التي تطلقها، لا تريد زوال الاحتلال وتحويل غزة نموذجاً لما يمكن أن تكون عليه نواة الدولة الفلسطينية القادرة على تشكيل عامل استقرار على الصعيد الإقليمي. على العكس من ذلك، تستغل laquo;حماسraquo; الانقلاب الذي نفّذته في منصف العام 2007 من أجل تغيير طبيعة المجتمع الفلسطيني، وتحويل الاقتصاد الفلسطيني اقتصاداً ريعياً يعتاش من المساعدات والتهريب وكل ما هو متعارض مع القوانين. أكثر من ذلك، توفّر laquo;حماسraquo; لبعض القوى الإقليمية التي تعتاش من المأساة الفلسطينية فرصة كي يكون الشعب الفلسطيني وقوداً في معارك لا علاقة له بها من قريب او بعيد. لو لم يكن الأمر كذلك، كيف يمكن تبرير إطلاق الصواريخ المضحكة- المبكية من غزة... ثم من سيناء في اتجاه أراض اردنية وكأن الإساءة إلى الاردن تخدم القضية الفلسطينية في شيء.
تمثل ممارسات laquo;حماسraquo; مصيبة كبرى للشعب الفلسطيني وأكبر خدمة يمكن تقديمها إلى حكومة بنيامين نتانياهو التي تصرّ على الحصار الظالم لغزة وهو حصار يصب في مصلحة laquo;حماسraquo; ويزيد في الوقت ذاته من معانة المواطن العادي المقيم في القطاع ويساهم في اخضاعه واذلاله.
فضلاً، عن مصيبة laquo;حماسraquo;، على الفلسطينيين المعاناة من وضع عربي لا يبشر بالخير. شئنا أم أبينا، لا همّ لدول الخليج العربي سوى الخطر الإيراني وهو خطر حقيقي، خصوصاً بعدما تبين أن إيران قادرة على التغلغل في العراق ومنع تشكيل حكومة فيه رغم مضي خمسة أشهر على اجراء الانتخابات النيابية. أكثر من ذلك، كلما بدت إيران محشورة بسبب العقوبات الدولية، تزيد من ضغطها في هذه المنطقة العربية أو تلك فتحرك laquo;حزب اللهraquo; في لبنان، والحوثيين في اليمن...
فوق ذلك كله، تأتي الإدارة الأميركية التي اكتشفت أخيراً أنها غير قادرة على تنفيذ الوعود التي قطعتها للجانب الفلسطيني وذلك ليس بسبب عجزها عن ممارسة أي ضغط على نتانياهو فحسب، بل بسبب انشغالها بمسائل أخرى في مقدمها المستنقع الأفغاني. فرض عليها المستنقع الأفغاني التزام مواعيد الانسحاب من العراق من دون أي تقدير للنتائج التي يمكن أن تترتب على مثل هذه الخطوة، خصوصاً على صعيد اطلاق يد إيران في هذا البلد الذي كان يعتبر عربياً إلى ما قبل فترة قصيرة.
هل الوضع الفلسطيني ميؤوس منه؟ من حسن الحظ أن الفلسطينيين يستخدمون هذه المرة عقلهم ويقاومون الإسرائيلي عن طريق بناء مؤسساتهم في الضفة الغربية. هناك إيجابيات قليلة من نوع رفع مستوى التمثيل الفلسطيني في واشنطن وباريس. هذا ليس كافياً ولكنه أفضل من لا شيء. يبقى الأهم من ذلك كله، أن المقاومة الحقيقية تحصل على الأرض وذلك عن طريق بناء المؤسسات الأمنية الفلسطينية التي تحول دون أي نوع من العمليات الانتحارية من جهة، وتجعل أرض الضفة الغربية مرحبة بأهلها بدل أن تكون طاردة لهم. هذه المؤسسات الأمنية كرست حداً أدنى من الاستقرار جعل الاقتصاد الفلسطيني يتطور بما يحول دون انهيار في الضفة شبيه بانهيار غزة. ان تفادي مثل هذا الانهيار هو الذي يحول دون توقيع صك استسلام أمام حكومة بنيامين نتانياهو، وهو الذي يحول دون الخوف من المفاوضات أكانت مباشرة أو غير مباشرة. أخيراً تعلّم الفلسطينيون، ولكن بعد دفعهم ثمناً غالياً، أن عليهم الاتكال على أنفسهم أوّلاً.
- آخر تحديث :
التعليقات