عبد الرحمن الراشد
laquo;أي عاقل يعرف تماما مصلحة العدو في اغتيال الحريري، وخلق فتنة طائفيةraquo;، هذا استنتاج وزير السياحة اللبناني فادي عبود، حكم لن يصدقه كثير من اللبنانيين العقلاء. فهم يدركون أن جرائم إسرائيل كثيرة لكنها في هذه الجريمة تحديدا هي آخر المتهمين المحتملين.
تصفية رفيق الحريري، رئيس الوزراء الأسبق، لم تكن في مصلحة إسرائيل، التي تفضل لبنان بتوازنات سياسية بين القوى المتنافسة لا ترك البلاد بقيادة فريق واحد. كل الضحايا من فريق سياسي واحد، وكل الضحايا عزل بلا ميليشيات تنتقم لهم، فكيف تقع الفتنة؟
الحريري أيضا - وإن كان صريحا في عدائه ضد إسرائيل - لم يكن مؤيدا لجعل بلاده ممرا تشن عبره حروب إقليمية ضد إسرائيل. كما أنه - وإن كانت له مواقف داخلية خلافية - عاش ومات ضد مفهوم الميليشيات المحلية ولم يفكر في بناء ميليشيات لجماعته. وحتى آخر يوم في حياته كان يطالب بتخليص لبنان من الميليشيات، بما فيها قوة حزب الله.
لا أدري كيف استنتج الوزير أن هناك قاتلا واحدا فقط جديرا بالاتهام؟ يقول إن إسرائيل اغتالته من أجل إثارة الفتنة الطائفية. السؤال: لماذا؟ فإسرائيل ليست في حاجة إلى اغتيال الحريري مع وجود قوى لبنانية تتحدث صراحة بلغة طائفية وتصر على التخندق الطائفي، وليست في حاجة إلى اغتياله ما دام هناك فرقاء لا يتورعون عن القتل الطائفي والاحتلال الطائفي.
محاولة رمي التهمة على إسرائيل تبدو واهية بلا أدلة حقيقية. دم كثير سال على الأرض اللبنانية وكل ضحاياه هم من معسكر سياسي واحد، في حين لم تجرح إصبع سياسي واحد في المعسكر المنافس!
المتهمون المحتملون باغتيال الحريري كثر. قد يكونون أفرادا مدسوسين أو جماعات متمردة داخل مؤسساتهم، أو ما وراء ذلك أو أكثر تعقيدا. ومهما كانت الاحتمالات فإنه ليس هناك أكثر عدلا من التعاطي مع هذه الجرائم، التي عصفت بلبنان وهزت المنطقة، من منح المحكمة الدولية فرصة التحقيق، وفتح الأبواب لها. المحكمة الدولية ليست مثل مراكز التحقيق العربية تدار استجواباتها في الخفاء وتذيع أحكامها النهائية في العلن، بل جميع نشاطاتها علنية، ومرافعاتها مفتوحة للجميع، وكل المشتبه فيهم سيعطون الفرصة لإعلان براءتهم.
الخطر الحقيقي هو من الفتنة التي خلفتها تلك الجرائم، لا المحكمة الدولية، والتي بقيت مشتعلة حتى اليوم. لم يقدم الفريق الآخر على خطوات تصالحيه تهيل التراب، لا على جثث الضحايا فقط، بل أيضا على الروح العدائية والفتن الطائفية والقبول بنزع السلاح والاحتكام فقط إلى مرجعية الدولة ومؤسساتها الشرعية المدنية والعسكرية.
لا ندري ما هو ثمن محاكمة المتهمين بقتل الحريري، قد يكون غاليا كما توحي التهديدات الرافضة للمحكمة، لكن السؤال الآخر ما هو الثمن في حال لم تكن هناك محكمة، أيضا؟ هذه هي المعضلة. فالمحكمة هدفها تحقيق العدالة في جرائم غادرة، وهدفها الأبعد أن تؤسس لمفهوم الردع، وأن ارتكاب الجرائم لن يكون بلا ثمن. فالمحكمة ضرورة لمستقبل لبنان من أجل تحقيق الاستقرار السياسي بضمانة دولية وليس الانتقام للحريري ورفاقه.
التعليقات