قاسم حسين

من أبلغ الكلمات التي ألقاها السيد حسن نصر الله في مؤتمره قبل الأخير: laquo;كفاية لعبraquo;... تعريضاً بمن يستخف بمشروع الفتنة الذي بشّر به اللبنانيين رئيس أركان الجيش الصهيوني غابي اشكنازي.

في ذلك المؤتمر، بدا حسن نصر الله غاضباً، وصرّح بوضوحٍ أنه لن يسمح بتشويه مقاومة هي أغلى ما يملك. أما في المؤتمر الأخير، فقد بدا هادئاً، مطمئناً، واثقاً تماماً من نفسه، فالحقيقة باتت على مرمى حجر. وقد استطاع أن يحدث شقاً في جدار المؤامرة الدولية باستهداف المقاومة التي أذلّت laquo;إسرائيلraquo;.

المدعي العام الدولي بيلمار الذي كان يعد العدة لاتهام عناصر من المقاومة بعدما سقطت التهمة عن سورية، استخدم في بيانه مصطلحَي نصر الله: laquo;قرائنraquo; وlaquo;معطياتraquo;، وفي ذلك اعتراف بأهمية ما قدمه نصر الله، خصوصاً بعدما تسرّع بعض اللبنانيين إلى تسخيفها والتقليل من قيمتها، ممن اغتاظوا لمجرد اتهام الصديق الجديد laquo;إسرائيلraquo;!

طلب بيلمار القرائن تعني أن الفرضية الإسرائيلية أصبحت مطروحةً للنقاش بعد أن كانت مستبعدةً تماماً، وتعني نظرياً إمكانية طلب التحقيق مع ضباط صهاينة كما حدث مع السوريين، مع أن المتوقع أن ترفضه laquo;إسرائيلraquo; لأنها دولةٌ فوق القانون والمحاكم الدولية.

حين نستعيد شريط الأحداث، سنعرف أن حزب الله لم يكن متهماً أصلاً بقتل الحريري، وأن المحكمة الدولية استخدمتها القوى الكبرى خمس سنواتٍ لمحاصرة سورية وتهديدها، وفي النهاية تكشّفت اللعبة كلها عن شهود زور، وعن عملية استغباءٍ كبرى، خضع لها نصف الشعب اللبناني، كادت تقذف بالبلد في حرب أهلية جديدة. وهو ما يفسّر غضب نصر الله، ورفضه التام لإعادة السيناريو الهزلي مرةً أخرى، باستبدال متهم بمتهم، بينما يبقى القاتل الحقيقي يتفرّج من وراء الحدود الجنوبية.

السياسي الحصيف لا ينام كالضبع على طول اللدم laquo;حتى يَصِلَ إليها طالبُها ويَخْتِلَهَا راصدهاraquo; كما يقول عليٌّ (ع). ولا ينتظر أن تتحوّل الأكاذيب إلى حقائق لكثرة ما يلوكها الإعلام المستأجَر بالدولار. ولا يقبل أن تُساق له التهم الباطلة وهو يتفرّج فاغراً فمه، ينتظر الصعود إلى المقصلة مقيّداً بالأغلال.

قبل عامين، تحرّش أحد أقطاب 14 آذار آنذاك (وليد جنبلاط) بشبكة اتصالات المقاومة، التي تبين لاحقاً دورها الاستراتيجي في حرب تموز، في تقرير فينوغراد، وكانت ردة فعل المقاومة شديدة، بتوجيه ضربة استباقية سريعة، أطاحت بمحاولة laquo;اللعبraquo; هذه. واليوم يهدف اتهام المقاومة بالجريمة ليس إلى تشويه صورتها فحسب، بل للوصول إلى تجريم السلاح الذي أذلّ الصهاينة ودحر جيشهم، تمهيداً لمحاصرته وسحبه من الساحة، ليعود لبنان بلداً رخواً.

إن laquo;لعبة الأممraquo; الجديدة تحلم بإعادة السيناريو الليبي، فالقرار laquo;الظنيraquo; يتحوّل إلى تهمةٍ تنتهي بمثول عناصر المقاومة أمام المحكمة، بينما يستمر القاتل الحقيقي بزرع المزيد من عملائه وجواسيسه في كل مرافق الدولة اللبنانية وطوائفها وأحزابها! والتهمة الباطلة تجرّ إلى فتنةٍ عمياء، يحتاج البلد لغسلها إلى خمس سنوات حتى يخرج من مستنقعها كما حدث مع سورية، المتهمة السابقة بحسب إفادات شهود الزور!

لو سكت نصر الله لنجحت لعبة استغباء الأمم، وإلهاء الشعوب بالفتن الطائفية... ولاضطرت الولايات المتحدة الأميركية الديمقراطية إلى خسارة 500 مليون دولار أخرى على وسائل الإعلام داخل لبنان لتشويه صورة المقاومة!