هدى الحسيني


قال الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، إنه لم ير أسوأ من هذه الكارثة في حياته وقال موريزو غيليان، الناطق باسم الأمم المتحدة، إن مجموع الذين تأثروا من الفيضانات في باكستان يفوق العدد الذي تأثر بعاصفة تسونامي الهندية عام 2004، وبزلزالي باكستان وهايتي عام 2005. أما عبد الله حسين هارون، الممثل الدائم لباكستان في الأمم المتحدة فقال إن ستة آلاف قرية محيت عن وجه الأرض.

يدفعنا هذا إلى متابعة الوضع السياسي والعسكري في باكستان. الرئيس آصف علي زرداري laquo;سقطraquo; بشكل مدو. والمؤسسة العسكرية في المقابل ارتفعت أسهمها خاصة أن قائد الجيش الجنرال أشفق برويز قياني قاد بنفسه تحركات الإنقاذ وتوزيع الإعانات. والمجموعات الدينية لقيت ترحيب المواطنين اليائسين، ووسط الأزمة برز تحدي طالبان باكستان، داعين الحكومة لعدم تسلم مساعدات إنسانية من الغرب، وواعدين بتوفير 20 مليون دولار تبرعات!

طبعا، لا يعني طالبان باكستان وضع البلاد الاقتصادي، ذلك أنهم يعيشون على الأزمات والكوارث. ولا يعنيهم أن باكستان دولة نووية على وشك الإفلاس، وأن التضخم سيرتفع لنسبة عالية مع ارتفاع أسعار الغذاء، بعدما أتلفت الفيضانات المحاصيل الزراعية، ولا يعنيهم أن المصرف المركزي قد يضطر لرفع الفائدة، وأن مشكلة العجز لديه لن يستطيع معالجتها بزيادة الضرائب. المهم بالنسبة لطالبان باكستان العودة إلى الأرض القاحلة بكل معانيها، كي تثمر آيديولوجيتهم بالسيطرة والتحكم بعقول التائهين.

آصف علي زرداري وصل إلى منصب الرئاسة عن طريق غير متوقع، قتل الإرهاب زوجته بي نظير بوتو، بعد صفقة جرت بينها وبين الرئيس الباكستاني ndash; آنذاك - برويز مشرف، بطلب أميركي، يسقط هو دعاوى الفساد المرفوعة ضدها وضد زوجها، وتعود هي إلى الحكم وتسهل خروجه من دون محاكمة.

كانت قوة آصف زرداري التأثير على زوجته، لذلك عندما انتقد رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كامرون جهاز الاستخبارات الباكستاني المستمرة بعض عناصره بدعم طالبان وlaquo;القاعدةraquo;، لم يعرف زرداري كيف يتصرف. وهو على علاقة سيئة بذلك الجهاز، إذ اتهمه بقتل زوجته، ورفض أن يستمع لنصيحته بإلغاء زيارة لندن، ثم إن بريطانيا شريك تجاري مهم لباكستان ومن أكثر الدول المانحة سخاء، ولم يكن قادرا على اتخاذ أي قرار حاسم، وواصل رحلته الأوروبية وعوضت بريطانيا بتبرعاتها ضحايا الفيضانات، وظهر ذلك جليا إذا ما قارنا 32 مليون جنيه إسترليني، المبلغ الذي تبرعت به، وما تبرعت به الصين 5.1 مليون دولار فقط، وما قيمته 5.1 مليون دولار من مساعدات غذائية وخيم.

الوضع المأساوي الذي أصاب 20 مليون باكستاني دفع إلى المطالبة بدور سياسي مباشر أكبر للجيش، لعدم كفاءة الحكومة المدنية، وهناك تخوف من أن يستثمر ذلك المتمردون والانفصاليون، فيخرجون من الأزمة أكثر قوة.

الأنظار داخل باكستان وخارجها مركزة الآن على الجنرال قياني، إذ إن صوره في طائرة الهليكوبتر فوق مناطق الفيضانات تتناقض كليا مع صور السياسيين الذين ادعى بعضهم (عمران خان) أنه موجود في أميركا لجمع التبرعات. وكذلك الأمر بالنسبة إلى زرداري.

المعجبون بقياني يعتبرونه أفضل ما أنتجته المؤسسة العسكرية الباكستانية خلال 63 سنة. ابن رجل عسكري يحظى باحترام جنوده، وقادة عسكريين دوليين. ولد في غوجار خان، المنطقة القريبة من المقر الرئيسي للقوات المسلحة في إسلام آباد، ومعروفة بأنها تنتج جنرالات وجنودا للمؤسسة العسكرية.

ظهوره الدائم أثناء مآسي الفيضانات، اعتبره الكثيرون إشارة جيدة لاستمرار الاستقرار والديمقراطية في باكستان، لكن وصوله إلى الكثير من المناطق النائية والوعرة في باكستان دفع البعض للتساؤل عما إذا كان يرغب في تحسين صورة قيادته، مقابل صورة الحكومة، التي تضعضعت كثيرا وتحولت تقريبا إلى مجرد ملصقات صور هرع المتضررون لتمزيقها بحدة.

للطمأنة، يرى البعض أن نجاح قياني في هذه الأزمة سيثبت أكثر الدور الرئيسي للجيش في التحكم بالسياسة.

لكن، هل يتطلع قياني إلى دور سياسي؟ في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2007، عمل على تحديث الجيش وأشرف على فك تداخل المؤسسة العسكرية بالشأن السياسي والصراعات الإقليمية.

قياني كان شاهدا عن قرب الغدر، الذي تعيش عليه السياسة الباكستانية عندما عمل مستشارا عسكريا لبي نظير بوتو في حكومتها الأولى عام 1988، فقرر أن يضع مسافة بينه كعسكري وبين السياسة. ونجح منذ تولى القيادة العسكرية في إبعاد الجيش عن إدارة تفاصيل السياسة الداخلية، وعن أي محاولة للمشاركة في القرارات السياسية، واختار أن يتدخل فقط إذا ما تعرضت مصالح المؤسسة العسكرية لأي خطر.

مثلا، عندما قامت القوات الباكستانية بعمليات عسكرية ضد البشتون، شمال غرب البلاد، وأدى ذلك إلى ردود فعل، حيث إن المتمردين من طالبان وغيرهم استهدفوا بعملياتهم الإرهابية البنجاب. وقاوم قياني كل النداءات بضرورة تعقب هؤلاء في البنجاب، المنطقة التي ينحدر منها أغلبية الضباط والجنود الباكستانيين، واقترح عمليات تدريجية ضد المتمردين هناك، لأن تركيزه الأساسي هو ضد كل من يحاول تهديد أمن باكستان ككل.

أمن باكستان مرتبط أيضا بقدرة الجيش نفسه. إذ على الرغم من أن قياني وافق على الاقتراح الأميركي بشن عمليات عسكرية ضد الملاذات الآمنة لطالبان وlaquo;القاعدةraquo; في شمال غرب باكستان، فإنه لا يزال يرفض بقوة تحريك قواته في مناطق خطيرة جدا مثل غرب شرق وزيرستان القبلية على الحدود الأفغانية، لأنها تعتبر المقر الإقليمي لكل المتمردين الآتين من باكستان، وأفغانستان وآسيا الوسطى والدول العربية.

وإذا كانت علاقاته مع الهند لم تمتحن بعد، فإنه يحاول في موازنته في العلاقات ما بين الصين والولايات المتحدة أن يحمي أهداف الأمن القومي الباكستاني داخل أفغانستان، بألا تصبح أفغانستان موالية للهند أو أن تحمي laquo;القاعدةraquo; في أراضيها.

أما علاقته بالرئيس الأفغاني حميد كرزاي فإنها على المستوى الشخصي جيدة، لكن الاثنين يختلفان حول نوع المصالحة مع المتمردين الأفغان. كرزاي مع واشنطن يرفضان مشاركة قلب الدين حكمتيار وجلال الدين حقاني في الحكم مستقبلا، وقياني لا يمانع بدور في المستقبل لهذين الإسلاميين المتشددين.

الفيضانات لن تغطي على مشكلات باكستان الداخلية والإقليمية، وقد يستغل بعض السياسيين غضب الناس على زرداري، وهذا يعني أن قياني سيضطر إلى التدخل، لأن التوقعات الآن تميل لمواجهة جديدة بين المحكمة الباكستانية العليا والإدارة المدنية، إذ كانت المحكمة قد ألغت العفو السياسي الذي منحه مشرف عام 2007، وقررت إعادة فتح ملفات الفساد التي تطال وزراء. زرداري يشعر بأن حصانته كرئيس تحميه. لكن إذا قررت المحكمة العليا إلغاء هذه الحصانة، فإن باكستان متجهة لمواجهة بين هاتين المؤسستين، وسيجد قياني نفسه مضطرا للتدخل ربما كحكم. وهو الذي أسهم عام 2009 في إعادة رئيس القضاء الأعلى افتكار تشودري إلى منصبه، بعد أن طرده مشرف مرتين.

الأوضاع المختلفة في باكستان ستضع قياني دائما على المحك، والتحدي الأكبر الذي يواجهه، أن يتجنب الكأس التي أغرت في السابق قادة عسكريين للإطاحة بالسلطة المدنية، وسيكون قياني علامة فارقة في تاريخ باكستان المدني، إذا دعم كعسكري الحكومة المدنية فيها، وحمى النظام السياسي بعد أن تكون المحكمة العليا قد عالجت الفساد والمفسدين.