هدى المطاوعة
القائد الديني ليس بالضرورة هو من يسن القوانين في البرلمان، إنما هو المستشار الذي يلجأ إليه رجال ونساء المجتمع من أجل المشورة والحكمة، فمنذ نشأة الأديان كان رجل الدين يمثل القدوة الأخلاقية للمجتمع في تسامحه وفي تعامله مع من حوله وغالباً ما يتفرغ رجل الدين ليجتمع بالناس في مجلسه ليثقف الناس في كيفية الاستفادة من سيرة الأنبياء والصالحين في التعامل مع مشاكل العصر باستخدام باب الاجتهاد والقياس.
فروح الدين وغايته هو السلوك والمعاملة، فكل عصر له روحه الخاصة به التي يتفهمها رجل الدين الحكيم ويستوعب التعامل معها بمحبة وتسامح، فواجب رجل الدين أن يستقرئ روح النصوص الدينية في ضوء العصر الذي يعيش فيه، فهو يستخلص العبرة من هذه النصوص لكي يسهل على الناس تطبيقها على نطاق مستحدثات ومستجدات الحياة المعاصرة.
فمثلاً يسأل نفسه ''ماذا كان سيدنا محمد يفعل لو واجه هذا الموقف؟، ويحاول معالجة المشاكل بهذه الحكمة، هذا الأمر ليس باليسير؛ فالقياس يحتاج إلى كثير من الحكمة والحنكة والتأني والتعقل النابع من قلب.
رجل الدين مصلح اجتماعي
السياسة غالباً ما ترتبط بالمهاترات والمماحكات التي تدفع ببعض المتنافسين إلى الانتقاص من قيمة من يتصدى لهم والعمل على الإطاحة به بما يتنافى مع روح الحكمة والارتقاء الإنساني، إذ قد يتم الإساءة العلنية إلى الشخص المتنافس والتسبب في إحداث عطب لا يمكن إصلاحه، وخاصة في مجتمع صغير مثل مجتمع مملكة البحرين، وهذا السلوك يتنافى مع دور رجل الدين الإصلاحي والذي لا يسعى لشراء الدنيا بالثمن البخس.
فموقف رجل الدين هو موقف ''القابض على الجمر''، ودخول رجل الدين إلى السباق السياسي هو لعبة دنيوية، ما هو الثمن الذي يقبضه رجل الدين بعد اكتساح منافسيه بكافة الوسائل المشروعة وغير المشروعة أحيانا؟ الفوز بمقعد بالبرلمان ثم لا شيء!
عندما تحدثت في عمود سابق عن رجل الدين والبرلمان ذكرت بعض الأسماء لعلماء دين عاشوا في مملكة البحرين وأفنوا زهرة شبابهم فيها للدفاع عن الحق، هؤلاء رجال أخلصوا في دورهم كمصلحين وكمرشدين وبعضهم اهتم بالسياسة من باب الإصلاح للارتقاء بشؤون الأمة الإسلامية، لكنهم لم يسعوا لمراكز دنيوية تجعلهم يحابون هذا ويعادون هذا، فالانشغال بالسياسية ليس بهدف تحريض طرف ضد آخر من أجل الفوز بالجاه والسلطان وإنما علماء الدين في معظم العصور كانوا مصلحين اجتماعيين يعملون على الارتقاء بالوطن وبسلوكيات الناس ومعاملاتهم ويصلحون بين المتخاصمين، ويكونون قدوة في التواضع والتسامح وفي التحلي بأخلاقيات الإسلام.
وعندما يتسابق رجال الدين إلى المراكز السياسية فإنهم يدخلون لعبة قد تدفعهم للميل عن طريق الحق من أجل إرضاء هذا وتجنب غضب ذاك على حساب دورهم الإصلاحي.
نبدأ من حيث انتهى الآخرون
ما حققه بعض البرلمانيين من قوانين في فترة الثماني سنوات الماضية معظمه لا يسمن ولا يغني من جوع، وذلك لافتقار معظمهم للرؤية المستقبلية التي يتطلبها الواقع المعاش لمملكة البحرين، خاصة والمملكة مقبلة على مرحلة عالمية خطيرة ولا يمكن أن نتحجج أن الدولة الفلانية صار لها 50 سنة قبل أن تتمكن من تغيير بعض مواد الدستور أو تعديل نص المادة كذا والمادة كذا، وكأننا نريد أن نكرر أخطاء الآخرين بدل أن نبدأ من حيث انتهى الآخرون خاصة فيما يتعلق بإصدار تعديل دستوري يعطي المرأة البحرينية حق الدخول في البرلمان القادم عن طريق الكوتا ولو لمدة 3 دورات فقط إلى أن يعتاد الشارع على وجود المرأة في مراكز صنع القرار السياسي، وجود 10 نساء في البرلمان يتم اختيارهن ضمن قائمة واحدة بحيث يتم اختيار سيدتين من كل محافظة هو قرار بالاعتراف بواقعنا الذي يفرق بين المرأة والرجل، خاصة عندما يكون رجل الدين طرفاً في السباق السياسي.
نحن نعرف أن هناك أنظمة عالمية فاسدة ونعرف أن مملكة البحرين أثبتت للعالم أنها تملك من التحضر والانفتاح والتسامح ما لا تملكه بعض الدول العظمى والتي لها باع طويل في ممارسة الديمقراطية، لذلك نحن نؤمن أن في هذا الشعب من الكفاءات من الجنسين ممن يستطيعون تحقيق كثير عن طريق تمثيل الشعب في البرلمان وليس بالضرورة أن يكون النائب البرلماني هو رجل دين أم إمام مسجد كما حدث في الدورتين البرلمانيتين السابقتين.
فقط لكونهم يمتلكون المعرفة بأمور الدين ويؤمون الناس بالمساجد وتسندهم جمعيات لها خبرة في العزف على عاطفة الناس عن طريق استخدام الترغيب والترهيب، آن الأوان لكي ينصف رجل الدين المواطنين بالقيام بدوره بتنمية وعيهم الديمقراطي بحقوقهم في استخدام عقولهم ودراسة مصالح الأجيال القادمة وليس المصلحة الآنية فقط في حسم علمية اختيار الأشخاص القادرين على تمثيلهم في البرلمان.
عملية الانتخاب هي عملية انتقاء الأصلح والأفضل للقيام بالدور المطلوب منه، النائب البرلماني نائب تشريعات وقوانين وليس نائب خدمات كالنائب البلدي ولا زال كثير من عامة الشعب يجهلون الفرق.
لا لتهميش الطاقات الفاعلة
نتمنى من رجال الدين القيام بدورهم في توعية الجمهور دون التدخل في توجيه الناخبين تجاه كفة من يرفع الدين شعاراً، فشعب البحرين شعب محافظ دينياً وأخلاقياً رغم تعدد المذاهب والمناهج، ولا بد من وجود منهجية متسامحة لدي رجال الدين المهتمين بالسياسة حتى لا يتم تهميش الطاقات الفاعلة في المجتمع والتي تمتلك الرؤية لمجرد أنها لا تتفق والمقاييس الشكلية التي عادة ما تكون مضللة وتستخدم لتحقيق مآرب شخصية.
عزيزي القارئ تذكر أن الدين هو المعاملة ولتعطى صوتك من يستطيع تحقيق ما فيه مصلحة المواطن، انتقِ الأشخاص القادرين على تحقيق التوازن والازدهار الاقتصادي والسياسي لتفعيل دورك في صنع الدولة الحديثة التي تتطلع لها مملكة البحرين تحت قيادة جلالة الملك الذي أثبت أنه أكثر ديمقراطية من بعض رجال البرلمان المتعصبين دينياً.
صوتك هو دورك في حفظ الأمن والازدهار على هذه الأرض الطيبة
- آخر تحديث :
التعليقات