زيّان

مع ان لبنان والمنطقة أصبحا واقعيّاً في صميم تطورات واستحقاقات قد تكون مصيرية وأخطر من كل ما سبقها من أحداث اقليميَّة، فان الباحثين عن الاشتباكات والنزالات الداخليَّة ما زالوا ماضين في quot;رسالتهمquot;، وما زال عزفهم منصباً على مثلث المحكمة والقرار الظني والشهود، مما يؤهله للجلوس الى جانب مثلَّث الرعب في برمودا.
معادلة س. س. تدخَّلت بزخم ومثابرة. وانتقل الملك عبد الله بن عبد العزيز والرئيس بشّار الأسد الى لبنان. وانعقدت قمة ثلاثية. وحصلت لقاءات واجتماعات ثنائيَّة. وشاعت في البلاد أجواء ارتياح واطمئنان أثر القول إن لبنان وُضع تحت مظلَّة عربيَّة لحمايته من كل طارئ داخلي أم خارجي.
وانصرف الناس الى أعمالهم، وكلهم اقتناع بان الاشتباك الداخلي قد صُرفَ من الخدمة، وان الأيام المقبلة ستكون من سلالة شهر العسل، إن لم تكن كما يحلو للرئيس نبيه برّي أن يقول أحياناً أحلى من السمن والسكر.
وأفسح في المجال لمرور كلام كثير عن التفاؤل، والتفاهم، والهدوء، والاستقرار، وما الى ذلك.
لكن جوقة الترٍلَمْ تٍرَلمْ لم تلبث ان عادت الى العزف كالعادة، ولساعات إضافية في معظم الأحيان.
ما عدا مما بدا؟
أين المظلّة؟
ماذا حلَّ بالاتفاقات والتفاهمات؟
مَنْ يقرأ ويسمع ويشاهد، لا يستطيع إلا أن يضع يده على قلبه، ويضع في الوقت نفسه سؤالاً عن الأسباب والدوافع والمتغيّرات التي لم تترك لحبر القمة الثلاثية وقتاً ليجف على الاقل، كما لم تمكٍّن حاملي المظلة العربيَّة من نشرها.
وحتماً لم تتح للبنانيين فرصة، ولو عابرة، كي ينعموا بلحظات آمنة في ظلال هذه المظلة.
الملاحظ في هذه الفترة، وهذه الرجعة غير الحميدة لحليمة إياها، ان الاصوات التي تصدح من الفجر الى النجر موزٍّعة التهديدات والتوعّدات هي ذاتها. وبالنبرة ذاتها. والمفردات المنتقاة ذاتها، والتي مهَّدت سابقاً لمصائب ودواه كبرى.
حتى أن نواباً وسياسيين مرموقين لم يكتموا خشيتهم أن تكون هذه quot;الأهازيجquot; وهذا الحدى توطئة لما هو أعظم، ولما ذهب البعض الى ضرب موعد له بعيد عيد الفطر.
كما أن كثيرين لم يفتهم أن يعلنوا دهشتهم من تدفق سيول الحرائق الاحتجاجيّة، تباعاً، فوق كل الأراضي اللبنانية تقريباً. وبايقاع يكاد يكون واحداً. مما ساعد في التساؤل عما اذا كان صحيحاً ان انقطاع التيار الكهربائي هو الداعي والدافع!
ومع ان وزير الطاقة بشَّر اللبنانيّين، لا فُضَّ فوه، بان أزمة أكبر وأخطر تنتظرهم على أبواب أيلول هي أزمة شح المياه، فالرئيس ميشال سليمان يطمئن الأهالي الى أنه ليس خائفاً على الاستقرار والأمن، quot;لا الآن ولا في أي وقت آخرquot;.
إلا أنَّ من الطبيعي انتظار ما لدى السيٍّد حسن نصر الله في اطلالته اليوم.