محمد صلاح الدين

قالت السيدة حنان عشراوي القيادية البارزة في منظمة التحرير الفلسطينية، إن ضغوطا أمريكية وأوروبية غير مسبوقة، مورست على الرئيس الفلسطيني محمود عباس، للدخول في مفاوضات مباشرة مع العدو الصهيوني دون شروط، وأن هذه الضغوط بلغت حد التهديد الصريح، بإيقاف كافة المساعدات المالية الأمريكية والأوروبية وحتى العربية التي تقدم للمنظمة. الرئيس عباس في واقع الأمر لم يكن متعنتا بأي حال مع الإسرائيليين، إذ اشترط لبدء المفاوضات المباشرة، تجميد حركة الاستيطان في الضفة الغربية فحسب، ولم يشترط إيقاف مسلسلات القتل والاعتقال اليومي التي تطال الفلسطينيين، ولا إيقاف هدم البيوت أو احتلالها وتهجير أهلها، خاصة في القدس والخليل وأخيرا في صحراء النقب، كذلك لم يرد ذكر أكثر من خمسة عشر ألف أسير، يسومهم العدو سوء العذاب، فضلا عن الحصار الإجرامي لغزة. * * * لا نريد أن نسأل عما إذا كان الأمريكيون والأوربيون laquo; يستطيعونraquo; ممارسة أي نوع من الضغوط على إسرائيل؟ سواء في موضوع الزحف الاستيطاني الإجرامي في القدس، أو حملات الإبادة والإذلال الجماعية، التي تمارسها السلطات الصهيونية صباح مساء، وليس سرا أن كل الرؤساء الأمريكيين بما في ذلك الرئيس باراك أوباما، قد أعطوا تعهدات معلنة وموثقة للكونجرس وللإسرائيليين، بأنهم لن يضغطوا أبدا على إسرائيل في أي أمر يتعلق بأمنها، وهو عنوان عريض يكاد يشمل كل شيء، لكن السؤال الأهم هو: هل ثمة بصيص من الأمل في نجاح هذه المفاوضات المباشرة أو غير المباشرة؟! رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتينياهو، أفرغ ما يسمى بمفاوضات الوضع النهائي من جوهرها، بالشروط المسبقة المعلنة والمحرمة على الرئيس الفلسطيني، إذ أكد بأنه لن تكون هناك مفاوضات إلا إذا اعترف الجانب الفلسطيني بيهودية الدولة الصهيونية (بمعنى أنها دولة لليهود)، مما يسقط تماما حق العودة، لأكثر من ستة ملايين فلسطيني في الشتات، كما يعطي لإسرائيل الحق في تهجير كافة عرب 1948 المقيمين في فلسطين الآن. * * * كذلك أعلن رئيس الوزراء الصهيوني، أنه لن يبدأ أي مفاوضات إلا بقضايا الأمن لإسرائيل، وهي متاهات لا يمكن الخروج منها إلا بالاستسلام للمطالب الإسرائيلية، مما يعني أن ما يسمى بالدولة الفلسطينية الموعودة، لن تكون منزوعة السلاح فحسب ولا منقوصة السيادة، بل ستتحول الى معسكر اعتقال ضخم، محاصر من كل اتجاه بقلاع المستوطنات وقوات الجيش الإسرائيلي والجدار العازل، ومخترقة للنخاع بمختلف أجهزة الأمن الإسرائيلية، ولن يدخل في هذه الدولة المزعومة أو يخرج منها شئ، إلا بإذن وتفتيش الإسرائيليين في هذا السياق لابد من الاعتراف بأن الدولة الصهيونية هي دولة مؤسسات، لا يمكن أن تنفرد فيها الحكومة باتخاذ أي قرارات ndash; خاصة الأمنية والمصيرية ndash; إلا بموافقة البرلمان، والمعارضة، وأجهزة الأمن، والقوات المسلحة،وقد تطرح ما يسمى باتفاقيات الحل النهائي على الاستفتاء، وهي متاهة كبرى أتقنت إسرائيل استخدامها في الهروب من أي التزام أخلاقي أو تعهدات دولية. في المقابل لا يملك الجانب الفلسطيني شيئا من ذلك، ومن هنا يأتي حرص السلطة الفلسطينية على توفير غطاء عربي، يعلم الجميع أنه غطاء لا يغني عن موافقة الشعب الفلسطيني في الداخل وفي الشتات، فليس حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم بأقل من حق الإسرائيليين، لكن الرئيس محمود عباس أعلن أن خياره الوحيد ndash; في جميع الأحوال ndash; هو المفاوضات، حتى ولو كانت نسبة نجاحها (1%).