احمد عياش

لمن فاته ان يسأل عن سبب اختفاء الامام موسى الصدر ورفيقيه في ليبيا والذين سيقام في مناسبة ذكراهم مهرجان الثلثاء في صور، يمكنه ان يفعل ذلك اليوم بعد مرور 32 عاماً على حادث الاختفاء. فما جرى بالامس في برج ابي حيدر وعدد من احياء بيروت يحمل ملامح ما حل في بيروت وتحديداً ابتداء من فترة الثمانينات من القرن الماضي بعد اعوام قليلة على اخفاء الامام ورفيقيه. في ذلك الزمان، وبدل الاعتصام في الجامع، كما فعل الصدر في مسجد العاملية، والصوم احتجاجاً على بدء الحرب في لبنان عام 1977، صار اللجوء الى الشارع بكل ما ملكته الميليشيات من اسلحة لفرض حسابات يعلمها جيداً اسياد تلك الميليشيات. الى ان تطور الاسلوب قبل ايام الى حرق المسجد عوض الاعتصام بداخله للتعبير عن رفض العنف والاقتتال والفتنة. وتالياً، يفهم المرء، مهما كانت درجة فهمه، ان استمرار الحرب اللبنانية لا يمكن ان يمضي بسهولة ويسر اذا كان الامام الصدر لا يزال موجوداً نابذاً يومياً وبقوة العنف والاقتتال والفتنة. ولا مبالغة في ان المحنة التي حلت بالزعماء اللبنانيين الكبار منذ زمن إخفاء الامام الصدر تؤكد احد امرين: إما ابقاء لبنان في اتون الحرب او منعه من العودة الى زمن ما قبل الحرب ونتائجها المفروضة على استقلاله وسيادته وحريته.
ما يجري منذ خمسة اعوام عندما وقع زلزال اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه وضع لبنان عند مفترق يؤدي إما الى العودة بالبلاد الى زمن الحروب، وإما الى بقائها رهن نتائج الحروب التي اندلعت عام 1975. لكن الانتفاضة التاريخية لملايين اللبنانيين في 14 آذار 2005 اوجدت خياراً ثالثاً يتمثل في الاعتصام بحبل الدولة والوحدة والعدالة. وهذا ما لا يوافق الحسابات التي ادارت تاريخ لبنان منذ عام 1975 فحاولت وتحاول ان تغتال هذا الخيار، فكانت العينة ما جرى في برج ابي حيدر الثلثاء الماضي.
لا احد يصدّق ان قوة داخلية يجسّدها quot;حزب اللهquot; الذي يطل دوماً على انه لاعب اقليمي وليس لبنانياً فحسب، تخوض منافسة مسلحة ضد quot;جمعية المشاريع الخيرية الاسلاميةquot; التي لم يعد احد يسمع بأمرها إلا لماما منذ عام 2005. وهكذا فجأة اصبح quot;حزب اللهquot; لاعباً قوياً في ازقة بيروت مما يعيد الى الاذهان ما كانت تفعله قوتان مسلحتان في الثمانينات هما: حركة quot;املquot; والحزب التقدمي الاشتراكي. فلو يسأل quot;حزب اللهquot; صديقيه الرئيس نبيه بري والنائب وليد جنبلاط زعيميّ هاتين القوتين لاخبراه بالكثير من الاسرار. أما الحلقة المفقودة في الثمانينات والموجودة اليوم فتتمثل في الصوت الحقيقي المعبّر عن بيروت وسائر لبنان بتفويض من ملايين اللبنانيين التواقين الى الحياة. فكل الاستنفار المسلح الذي شهدته ازقة بيروت ليل الثلثاء والذي يعبّر اصحابه عن هويتهم المتحالفة مع ايران او سوريا لم يتفوق على الاستنفار السياسي الذي جسده رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري وتيار quot;المستقبلquot; ونواب بيروت والرئيس سليم الحص ومفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني وايضاً نائب رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى الشيخ عبد الامير قبلان. انه الصوت الحقيقي للمدينة ومعها لبنان.
هذا هو السلاح الحقيقي لبيروت الذي يجب ان ينزع سلاح الفتنة. ولن يتفوق quot;حزب اللهquot; على القائد الفلسطيني quot;ابو ايادquot; عندما اعلن في بداية الحرب اللبنانية quot;ان طريق تحرير فلسطين تمر بجونيهquot;. واليوم عندما تنتظم جوقة لتقول quot;ان طريق المقاومة تمر ببرج ابي حيدر والازقة المجاورةquot; عليها ان تعلم ما حل بالشعار السابق وصاحبه، الا اذا كان هؤلاء يرغبون في تكرار لعبة الامم التي تقول حقيقتها الكبرى: quot;من جرّب المجرّب كان عقله مخرّبquot;. فلينتبه quot;حزب اللهquot; الى محاذير المضي في لعبة برج ابي حيدر والازقة المجاورة.