حامد الحمود


لقد بلغ الاهتمام بالخلاف الدائر حول اعطاء رخصة لبناء مسجد، أو مركز اسلامي في منطقة قريبة من موقع برج التجارة العالمي في نيويورك أن أحد استطلاعات الرأي، وجدت أن %80 من الشعب الأميركي يتابع هذا الموضوع. ولقد كانت بعض التعليقات المضادة لبناء هذا المركز مزعجة ليس للمسلمين فقط، وانما لغالبية الأميركيين المعتدلين، خاصة ذلك الذي جاء من نيوت غينغريش رئيس مجلس النواب السابق الذي صرح: laquo;أن النازيين ليس لهم الحق في وضع شعاراتهم بالقرب من متحف ضحايا الهولوكوست، أو المحرقة النازية لليهودraquo;. وكان هناك تعليق شبيه ذكر laquo;أنه ليس من حق النازيين بناء صرح للجندي المجهول قرب مكان المحرقة في بولنداraquo;. لكن وفي وسط هذه العدائية لمشروع بناء المركز الاسلامي، كان موقف عمدة مدينة نيويورك، موقف الرجل الشجاع المحافظ على مبادئ الدستور الأميركي عندما صرح مدافعا عن بناء المركز قائلا: laquo;إنه اذا رضخنا لهذه الاحتجاجات، ومنعنا بناء المركز، فسينتقل الجدل الى ما هي مساحة الدائرة التي لا تبنى فيها مساجدraquo;. ويمكن أن ينتقل التساؤل الى: هل سيسمح بالمسجد الصغير الموجود حاليا بالقرب من المنطقة بالاستمرار؟
كما أعجبني تصريح رجل الدين المسيحي جيم واليز، الذي دافع عن بناء المركز قائلا: laquo;إن لكل دين متطرفيه الذين يشوهون جوهره الحقيقي، وعدم التصريح ببناء المركز، كأنه يصور المسلمين بأنهم كلهم متطرفون، الا أن ما يستدعي الاستغراب هو خروج تصريحات وآراء عربية، وبعضها من رجال الأزهر بنصح لحساسية الوضع أن ينقل المركز الى مكان آخر. هؤلاء غير مدركين أن عدم التصريح لبناء المركز يعتبر اخلالا لقيم الحرية ومبادئ الدستور الأميركي التي تعطي للجميع الحرية في ممارسة شعائرهم الدينية. وكما ذكر مايكل بلومبيرغ عمدة نيويورك أن عدم التصريح سيولد اندفاعا لقيود أخرى على الحرية الدينية وللمسلمين خاصة.
هذا وللعلم، فان القائم على المشروع فيصل عبد الرؤوف من مواليد الكويت، ودرس الفيزياء في جامعة كولومبيا، وكان مثالا للاعتدال في شبابه ونضجه. كما أن المشروع ليس بمسجد، وانما مركز اجتماعي يضم ملعبا لكرة السلة، ومسبحا وصالة اجتماعات، وهو مفتوح لجميع الديانات. لذا فان عدم التصريح في مكانه المقترح حاليا، سيوجه ضربة للمعتدلين المسلمين، ونجاحا للمتطرفين المسلمين. كما أنه سيولد سلسلة من الحملات المعادية للمسلمين، والتي لن تنتهي بالتأكيد بمجرد رفض التصريح لبناء هذا المركز. وستقوض من المبادئ التي بني عليها الدستور الأميركي. لذا فأرى أن الأميركيين المؤيدين لبناء المركز، أمثال عمدة نيويورك بلومبيرغ، ومورين دود الكاتبة في laquo;نيويورك تايمزraquo; ومقدمي البرامج التلفزيونية جون ستيوارت، وكيث أولبرمان أكثر ولاء لوطنهم الولايات المتحدة وقيمه الدستورية من هؤلاء الذين أعمتهم فداحة جريمة 11سبتمبر، أو يريدون استغلال معارضة بناء المركز لأسباب انتخابية. فالحرية لا تتجزأ، وبناء المسجد في مكانه المقترح يعتبر انتصارا للمبادئ العلمانية، التي تسمح للجميع بممارسة معتقداتهم وشعائرهم الدينية.