خيري منصور

هناك حكاية طريفة في الموروث الشعبي الفلسطيني تستحق الاستذكار الآن، في حمّى السجال عن المفاوضات المباشرة، والقرار المرتقب من حكومة نتنياهو هو الاستيطان في نهاية هذا الشهر، الحكاية أقرب إلى الأحجية وهي عن زهرة برية أوراقها حمراء وبيضاء، كان الأطفال عندما يفرطونها يتراهنون ببراءة قائلين لبعضهم فرس أبيك حمراء أم بيضاء، وما يقرر النتيجة هو الورقة الأخيرة في الزهرة .

وتزاوج اللونين الأحمر والأبيض في زهرة جبلية في فلسطين أمر بالغ الدلالة، فالأحمر هو دم فصيح، والأبيض هو لون براءة هؤلاء الأطفال والياسمين الذي ترشح منه رائحة البكارة في سفوح الجبال، لكن الأغرب من تلك الحكاية هو تبني البالغين لها سياسياً، فهم سوف يفرطون ما تبقى من شهر سبتمبر/ أيلول متسائلين عن لون فرس عدوهم وليس أباهم هذه المرة، هل هي بيضاء تليق بمصطلح تجميد الاستيطان، أم حمراء بسبب ما سوف ينتج عن استئنافه خصوصاً في القدس وما حولها، ولا ندري كيف تسللت ثقافة اليانصيب هذه إلى السياسة وفي العمق من استراتيجياتها، إن ما يفسر هذه الثقافة القائمة على ترقب الأفعال وعدم الإسهام فيها هو التخلّي عن الدور التاريخي للنخب السياسية، فهي ليست مجرد أغطية زجاجات من فلين تطفو على مستنقع، ولا يعقل أن ينتظر إنسان عدوه كي يبادر ويقرر وهو مكتوف اليدين، فإن شاء خطه الحسن أن تكون قرارات عدوه لمصلحته يصفق لنفسه، ويزهو بما أنجز، والعكس صحيح أيضاً .

إن صياغة مصائر الشعوب والأوطان ليست لعبة روليت، وليست ورقة يانصيب تربح أو تخسر، لكن ما انتهت إليه معادلة القوة في عالمنا العربي لا يسرّ صديقاً على الإطلاق، وإن كان يطرب العدو حتى الرقص .

وأذكر أن ضابطاً صهيونياً قال لشاب فلسطيني قطع النهر بعد هزيمة يونيو/ حزيران ووقع في كمين، أيّنا يملك المفتاح؟ وكان يقصد مفتاح فلسطين وربما مفتاح القدس .

نتنياهو يردد الآن العبارة ذاتها، فهو يتصرف كمالك أبدي للمفاتيح كلّها بدءاً من مفتاح المفاوضات على اختلاف أسمائها حتى مفتاح القدس، وما علينا تبعاً لهذه الثقافة الدّاجنة إلا أن ننتظر ما سوف يجود به نتنياهو بعد ثلاثة أسابيع، هل سيستمر في تجميد الاستيطان أم يجهز المايكرويف في تل أبيب لتسخينه؟

إن شرّ البلية هذا لا يضحك ولا يبكي، لكنه يصيب الإنسان بالدوار والاختناق، لأن ما سماه هنري كيسنجر الحروب الناقصة يجد الآن ما يقابله من السلام الناقص، فما من حرب من طرف واحد، لهذا ما من سلام أيضاً من طرف واحد، إلا إذا قرر البعض أن يصافحوا أنفسهم ويصفقوا بيد واحدة .

فرس أبيك حمراء وليست بيضاء، لأن الدم زحف على ما تبقى من الياسمين ولوّن الأكفان والشراشف التي يرشح منها الدم فوق المهود الصغيرة .